بعد مطالبات عدة من «جمعية حقوق المواطن لأرشيف الجيش الإسرئيلي» بضرورة فتح ملفات النكبة أمام الجمهور، التأمت أخيراً اللجنة الوزارية للمواد الأرشيفية، برئاسة وزيرة القضاء ايليت شاكيد، وبمشاركة وزارتي الخارجية والأمن لمناقشة الطلب.الاعتراض الثلاثي كان قوياً هذه المرة، كما أشارت صحيفة «هآرتس»، وذلك لأسباب تتعلق بأمن إسرائيل وبعلاقاتها الخارجية مع الدول. فقد رأت "الخارجية" أن فتح هذا الملف سيؤثر سلبياً في مكانة تل أبيب دوليا، وفي المفاوضات المستقبلية مع الفلسطينيين، وكذلك قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بقضية اللاجئين.
يحمل الملف المؤرشف ضمن مواد التاريخ في أرشيف الجيش الرقم 922/1975 -681، متضمناً الدراسات التي طلبها رئيس الوزراء الأسبق ديفيد بن غوريون، إبّان الستينيات، كي يثبت أن «ما يقارب مليون فلسطيني عاشوا في الأراضي الفلسطنية قبل النكبة قد فروا بأنفسهم وبقرار طوعي وليس جراء استخدام القوة والسلاح والترهيب ضدهم».
فتح ملف النكبة من الأرشيف الإسرائيلي يضرّ بأمن إسرائيل

هذه الدراسات كشف عنها المؤرخ الإسرائيلي شاي حازكني، في مقالة كتبها قبل ثلاث سنوات في «هآرتس»، وبرهنت أن بن غوريون أوعز إلى مستشرقين إسرائيليين إعداد دراسات لإثبات النسخة الإسرائيلية عن النكبة*، وذلك لإقناع العالم وخصوصاً الرئيس الأميركي آنذاك جون كيندي، بأن اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات «فروا بأنفسهم وبتشجيع من قادة الدول العربية، بل إن الجيش الإسرائيلي وقف على الحدود طالباً منهم العودة إلى قراهم»، ولا سيما أن بن غوريون أدرك في ذلك الوقت، أنه اذا استطاع الفلسطينيون إقناع العالم بأنهم هجّروا بالقوة من قراهم، فإن ذلك سيمثّل قاعدة للمطالبة بحقهم في العودة إلى موطنهم.
طلب بن غوريون، على الأقل، دراستين عن موضوع اللاجئين: الأولى قدمها المستشرق الإسرائيلي روني غباي في إطار ما كان يسمى مركز «شيلوح»، الذي صار اليوم مركز «ديان للدراسات» في جامعة تل أبيب. واستند غباي إلى وثائق من الأرشيف الإسرائيلي من بينها أرشيف جهاز الأمن العام الداخلي (الشاباك). أمّا الدراسة الثانية، فأعدها موشي ماعوز، الذي كان آنذاك مستشار رئيس الوزراء للشؤون العربية، وهو الآن أحد كبار أساتذة الأبحاث الشرق أوسطية في الجامعة العبرية في القدس. كما استند ماعوز في جزء من دراسته إلى تلك التي قدمها غباي.
وحزكني، الذي يعمل حالياً محاضراً في مركز «مئيرهوف للدراسات اليهودية» في جامعة ميرلاند، وجّه في 2013، عبر «جمعية حقوق المواطن لأرشيف الجيش الإسرائيلي»، طلباً للإفراج عن ملف اللاجئين من الأرشيف وفتحه أمام الجمهور والباحثين، وخصوصاً أن مدة الحظر واعتباره ملفاً سرياً قد انقضت وفق القانون الإسرائيلي، لكن، في نوفمبر من السنة نفسها، رد أرشيف الجيش الإسرائيلي على الطلب قائلاً: «لا يمكن فتح الملف أمام الجمهور وسيبقى مصنفاً تحت بند الملفات السرية».
كذلك حاول حزنكي، وفق الصحيفة، الاتصال بالمسؤول الأعلى في «أرشيف الدولة»، يعكوف لزوبيك، لفتح الملف الذي انقضت مدته بالتقادم 50 سنة، هي الحد الأقصى الذي تبقيه سرياً بموجب القانون. وفي حزيران 2014، أرسلت الجهات المعنية في «أرشيف الدولة» رسالة قالت فيها: «بعد المداولات والنقاشات حول الملف، وبالتعاون مع الجهات في أرشيف الجيش المعارضة لفتحه، تقرر إحالة الموضوع إلى الوزارات المعنية بالمحفوظات والوثائق الأرشيفية لتبت القرار».
مسؤول اسرائيلي رفيع المستوى، من الذين حضروا الجلسة، قال إنه «قد يُكشف عن الأرشيف عندما يحل السلام»، فيما نقلت «هآرتس» أن لجنة الوزراء لمادة الأرشيف تجتمع في بعض الأحيان لتقر في صيغ حساسة جداً، وكان آخر اجتماع لها في 2008، وقررت فيه إطالة الحظر على ملفات مجزرة دير ياسين.
وأضافت الصحيفة أنه وفقاً لقانون الأرشيف في إسرائيل، إذا رغب «أرشيف الدولة» في إطالة حظر ملف ما كان قد مضى عليه الوقت القانوني وصار من حق الجمهور الاطلاع عليه، يجب الحصول على موافقة لجنة خاصة تتألف من ثلاثة وزراء، تدعى «اللجنة الوزارية للحصول على إذن تصنف المواد الأرشيفية».
في كل مرة كانت اللجنة تحاول الانعقاد، كان يحدث التأجيل. وقبل أسبوع فقط، عقدت جلسة لمناقشة طلب فتح ملف النكبة، ترأستها الوزيرة شاكيد، وحضرتها وزيرة الثقافة، ميري ريغيف، التي شغلت في السابق منصب رئيسة الرقابة العسكرية والمتحدثة باسم الجيش الاسرائيلي، كما حضرها وزير الطاقة، يوفال شطاينس، وهو الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية والأمن وكان وزير الشؤون الاستخبارية.
اللجنة لم تصل في نهاية جلستها إلى قرار نهائي، لكنها طلبت وجهات نظر لأطراف أخرى لم تكن مشاركة، وقررت أنه إلى حين الحصول على وجهات النظر تلك ستبقى المواد سرية. كذلك أشار مسؤول إسرائيلي آخر إلى أن شاكيد اطلعت على قسم كبير من المواد السرية، مدعياً أنه «ما من مواد مهمة فيه لم تنشر بعد»، لكن بما أنه يتوقع أن يكون القرار النهائي للجنة هو إطالة الحظر، فإن ادعاء المسؤول الإسرائيلي زائف، تقول الصحيفة، وخصوصاً أن الأسباب التي تتذرع بها الوزارات المعنية مهمة وليست عادية، بل "تمس أمن إسرائيل وحضورها في الخطاب الدولي".
في هذا الإطار، قال حزنكي لـ«هآرتس» إن «غالبية الأرشيف الإسرائيلي تحوي مواد تتعلق بعام 1948، ومعظم هذه المواد لم تفتح أمام الجمهور والباحثين، ومن كان منها مفتوحاً في السابق أعيد إغلاقة مجدداً»، مشدداً على «أن المستوى السياسي الإسرائيلي وأرشيفي الدولة والجيش يمثّلون العقبة التي تعترض طريق الباحثين في إسرائيل والخارج لمعرفة القصة الكاملة عمّا حدث في الـ48».