قبل أسبوعين، أعلن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي عن مقترح ضمن قانون موازنة العام المقبل، ينص على منح موظفي الدولة إجازة «اختيارية» لمدة خمس سنوات، يتقاضون خلالها الراتب الرسمي، من دون أي مخصصات ثانية. وعلى الرغم من أن هذا المقترح يندرج في إطار مساعي حكومية لمواجهة «الترهّل» في أجهزة الدولة، لكنه جوبه باعتراضات كثيرة وتساؤلات عن جدواه وتأثيره على مستوى الإنفاق العام في البلاد، فقد تضمّن أيضاً تسريح الموظفين الذين يعملون بعقود مع الدولة ولم يصلوا إلى صفة الملاك الدائم، مع إعطائهم مبالغ مالية تساعدهم على إنجاز مشاريع عمل تفي بالمعيشة. وقد أثار هذا الأمر نقاشاً واسعاً عزّز المخاوف من حدة الأزمة المالية في البلاد، وأيضاً من قدرة الحكومة على مواجهتها في ظل الاعتماد على النفط فقط.وتشير التقديرات إلى أن عدد الموظفين في القطاع العام يتجاوز أربعة ملايين شخص، فيما تؤكد الأرقام أنه جرى تعيين نحو 3 ملايين موظف بشكل عشوائي غير مدروس، بعد العام 2003، إضافة إلى 1.5 مليون موظف من النظام السابق.
تثار مخاوف من أن يزيد المقترح من نسبة البطالة العالية

وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن التراجع في القطاعات الخاصة، ولاسيما الزراعة والتجارة، دفع أصحاب المهن إلى اللجوء إلى التعيينات الحكومية. وقد وضع هذا الواقع الموازنات العراقية في حالة جمود، وخصوصا أن غالبية أموالها تُدفع كمرتبات من دون أي أرباح، وهي النقطة التي تنطلق منها الحكومة الحالية في مقترحها الأخير. وبحسب المؤيّدين، فإن هذا المقترح يعد حلاً لأنه يسمح بالخروج بصيغة مشروعة لتقليص عدد الموظفين في الدوائر الحكومية، وخصوصاً أنه ما من نصوص قانونية تخوّل السلطة التنفيذية إنهاء خدمات العاملين، إلا بناءً على مخالفات محدّدة وآليات رسمها القانون، إضافة إلى أنه ما من مواد قانونية تسمح بإحالة الموظفين قسراً إلى التقاعد، فضلاً عن ذلك، فإن مشكلة الموظفين الذين جرى تعيينهم على نحو عشوائي، لا تحل وفق قانون التقاعد العام النافذ، بسبب فقرتي العمر القانوني للتقاعد، ومدد الخدمة.
وفي هذا الصدد، قال المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح إن «الحكومة لجأت إلى وضع فقرة في مشروع موازنة عام ٢٠١٧ تعطي الخيار للموظف في أن يتمتع بإجازة لمدة خمس سنوات، على أن يتقاضى الراتب الإسمي فقط من دون المخصصات، مع الاحتفاظ بالامتياز الوظيفي عند المباشرة». وأشار في حديث إلى «الأخبار» إلى أن «فاتورة الرواتب الشهرية للموظفين الحكوميين، تقترب من ٣،٦ تريليونات دينار (حوالى 3 مليارات دولار) وترتفع إلى ٤،٦ تريليونات دينار (3.9 مليارات دولار) مع المتقاعدين، لتشكل بذلك الإنفاق الثابت الأول في الموازنة الاتحادية». كذلك لفت إلى أنّ «مقترح الإجازة هو بمثابة أن تقترض الدولة من الموظف الجزء المهم من راتبه لقاء إرجاعه إلى الوظيفة بالامتيازات نفسها». ورأى أن «وجود أكثر من أربعة ملايين موظف، بإنتاجية منخفضة تعادل ١٧ دقيقة في يوم العمل الواحد، هي خسارة بحد ذاتها»، مشيراً الى أن «قيام أولئك المسرّحين وقتياً، بإيجاد فرص عمل إضافية لهم في قطاع السوق، سيؤدي إلى إنتاجية أعلى».
ولكن في مقابل ذلك، يرد كثيرون بجملة اعتراضات ومخاوف من تطبيق هذا القانون وإمكانية أن يعود بالضرر على الاقتصاد العراقي، الذي يعاني أزمات عدة.
وفي هذا الإطار، يثير المختص في الاقتصاد باسل عباس خضير تساؤلات عن المسوّغ الذي يُمنح بموجبه الموظف كامل الراتب الإسمي، ولمدة خمس سنوات، وهو لا ينتج شيئاً ولا يقدم أي خدمة. ويبرّر خضير المخاوف في أن «المسرّحين على نحو مؤقت سينافسون الآلاف من العاطلين من العمل، الذين يحاولون الاتكال على القطاع الخاص، الأمر الذي يعني المزيد من البطالة».
وتفرض هذه النقاط، بحسب الخبير الاقتصادي، «التأنّي بمشروع القانون لحاجته إلى جهود في صياغته وإدراجه حيّز التنفيذ»، موضحاً أن «الدولة يجب ألا تتحوّل إلى مؤسسة كبيرة للرعاية الاجتماعية، فتقوم بتعيين موظفين ثم تمنحهم إجازات براتب إسمي كامل».
مع ذلك، تبقى الخطة متوقفة على مجموعة عوامل مطلوب من الحكومة العراقية الالتفات إليها، وهو ما يشدد عليه المحلل الاقتصادي حيدر غازي، قائلاً إن «الحكومة مطالبة بوضع بعض الضوابط والمحددات لهذه الإجازة لتعطي فوائدها، من دون الإخلال في موازين الاقتصاد المحلّي والإنفاق الحكومي العام، وبما يقلّل من إنفاقاتها أو استغلالها لخارج غاياتها الحقيقية». ويوضح غازي لـ«الأخبار» أن «الإجازة يجب أن تُحصر في الحالات التي لا تسمح بالإحالة إلى التقاعد»، كما يشير إلى أن «من الضروري إيجاد ضمانات لعدم قيام المتمتعين بإجازات طويلة بأخذ فرصتين، بمضايقة ومنافسة العاطلين من العمل من خلال الاستحواذ على الفرص المتاحة أمامهم، كالعمل في الجامعات والكليات الأهلية والتفرّغ الكامل للعمل في العيادات الخاصة والصيدليات والمختبرات وغيرها، إلى جانب احتفاظهم بامتيازات الوظيفة العامة»، لافتاً إلى أن «هناك أكثر من مليوني عاطل من العمل، وهم من يجب أن نهتم بإيجاد فرص العمل لهم، ونبعدهم عن خطر البطالة وتداعياتها السلبية».