انتهت ليلة أمس لعبة شد الحبال التي امتدت أشهراً بين حكومة بنيامين نتنياهو، وإدارة باراك أوباما. وقّع الجانبان، الإسرائيلي والأميركي، «اتفاقية تاريخية لا سابق لها»، تكفل حصول تل أبيب على مساعدات عسكرية بقيمة 38 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيين على مدى عشر سنوات.ووفق إعلان وزارة الخارجية الأميركية، التي شهدت إحدى قاعاتها حفل التوقيع، فإن «الاتفاقية تمثل الالتزام العسكري الأكبر الذي قدمته الولايات المتحدة إلى دولة أخرى طوال تاريخها».
ووقّع الاتفاقية عن إسرائيل، رئيس مجلس الأمن القومي بالوكالة، يعقوب نيغيل، وعن الولايات المتحدة، نائب وزير الخارجية، توم شانون. وحضر الحفل مستشارة الأمن القومي الأميركية، سوزان رايس، وسفير إسرائيل لدى واشنطن، رون دريمر، ونظيره الأميركي في إسرائيل، دان شابيرو.
في إطار الاتفاقية، ستقدم واشنطن مساعدات سنوية بقيمة 38 مليار دولار بين عامي 2019 و2029، لكن هذا المبلغ لم يلاقِ الطموحات الإسرائيلية، التي بدأت بالمفاوضة من سقف المطالبة بخمسة مليارات دولار سنوياً، تحت حجة ضرورة تعويض إسرائيل عن المخاطر التي يعرضها لها الاتفاق النووي مع إيران.
وكانت قيمة المساعدات التي نصت عليها الاتفاقية السابقة الموقعة في عهد جورج بوش الابن وتنتهي العام الجاري، ثلاثين ملياراً موزعة على عشر سنوات بمعدل ثلاثة مليارات سنوياً. لكن إسرائيل كانت منذ 2011 تحصل فعلياً على مساعدات سنوية قيمتها نحو 3.5 مليارات، بفعل إضافات كان الكونغرس يقررها دورياً تحت عنوان مساعدتها على تطوير مشاريع عسكرية خاصة، منها منظومات الاعتراض الصاروخي.
يمكن القول إن المفاوضات حول الاتفاقية الحالية كانت الأطول والأصعب، وشهدت محاولات ابتزاز واضحة من رئيس الوزراء الإسرائيلي للإدارة الأميركية، ربطاً بالاتفاق النووي مع إيران، بل إن نتنياهو أوقف المفاوضات التي كانت قد بدأت عام 2013 على خلفية الاتفاق، ثم استأنفها قبل ثمانية أشهر. كذلك لوّح على الدوام باحتمال تأجيل بتّها بانتظار الإدارة الأميركية المقبلة، طمعاً في الحصول على صفقة أفضل.
نتنياهو، الذي حصر إدارة المفاوضات فيه وأبعد عنها الجيش ووزارة الحرب الإسرائيلية، تعرّض لانتقادات شديدة، رأى مطلقوها أنه فوّت فرصة ذهبية للحصول على عروض أميركية سخية بالتزامن مع توقيع الاتفاق النووي، انطلاقاً من أن إدارة البيت الأبيض كانت معنية جداً بإرضاء إسرائيل في ذلك الوقت.
الزيادة الفعلية قياساً إلى الاتفاقية السابقة 3 مليارات دولار فقط

ويبدو من الإطار الحالي للاتفاقية أن مكابرة نتنياهو ومناوراته أفقدت إسرائيل هذه الفرصة فعلاً؛ فقد أصرّ الأميركيون على أن تشمل المساعدات التي تلحظها الاتفاقية نفقات تطوير منظومات الاعتراض الصاروخي، مع أن إسرائيل كانت تحصل عليها حتى الآن بصورة منفصلة عن الاتفاقية، وعبر علاقاتها واتصالاتها بالكونغرس. كذلك طالب الأميركيون بأن تتعهد إسرائيل بعدم المطالبة بأي إضافات خاصة على المساعدات من الكونغرس. وهذا ما حدث فعلاً، لأن الاتفاقية تلحظ تخصيص خمسة مليارات دولار من إجمالي المساعدات لتطوير المنظومات الصاروخية، مع التزام إسرائيلي خطي ينص على منع فتح أي قناة خاصة مع الكونغرس لطلب مساعدات إضافية، إلا في حال الحرب، وبشرط موافقة الإدارة الأميركية على ذلك.
وكل ذلك يعني أن قيمة الزيادة الفعلية للمساعدات التي ستحصل عليها إسرائيل قياساً إلى الاتفاقية السابقة ثلاثة مليارات دولار فقط. كذلك طالب الأميركيون بتخصيص كل المساعدات لشراء أسلحة وتجهيزات من المصانع الأميركية حصراً، خلافاً لمبدأ الشراء التبادلي (OSP) الذي كان معمولاً به في الاتفاقية السابقة، ويسمح لإسرائيل بتحويل 26.3% من قيمة الأموال الأميركية، أي نحو 815 مليون دولار لعملتها المحلية، من أجل أن تشتري بها تجهيزات من الصناعات العسكرية الإسرائيلية.
لكن، خلال المفاوضات على الاتفاقية الحالية، شدّد الأميركيون على إلغاء هذا الامتياز، الأمر الذي رأت إسرائيل أن آثاره في بعض صناعاتها العسكرية سيكون مدمراً، وسيؤدي إلى صرف آلاف العمال وإغلاق عشرات خطوط الإنتاج. من ثمّ، خلصت المفاوضات إلى تقليص قيمة المبلغ المتاح تحويله إلى الشيكل الإسرائيلي إلى 560 مليون دولار سنوياً، وفق الاتفاقية الحالية، وهو ما رآه مراقبون خسارة لتل أبيب. كذلك وافقت الأخيرة على وقف استخدام 14 في المئة من قيمة المساعدات، أي نحو 400 مليون دولار، لشراء الوقود العسكري، كما كان معمولاً به، وأن يخصص هذا المبلغ لشراء السلاح والمعدات من خطوط الإنتاج الأميركية أيضاً.
بمناسبة توقيع الاتفاقية، أصدر الرئيس الأميركي بياناً قال فيه إن الاتفاقية «تجسد التزام الولايات المتحدة أمن إسرائيل قولاً وفعلاً»، مشيراً إلى أن «تزويد إسرائيل بالسلاح الأكثر تطوراً في العالم سيضمن قدرتها في الدفاع عن نفسها ضد أي تهديد». ورأت مستشارته للأمن القومي، سوزان رايس، أن «الولايات المتحدة تفخر بأنه لا توجد أي حكومة قدمت هذا القدر لتعزيز أمن إسرائيل».
في المقابل، قال نتنياهو إن الاتفاقية «تضمن حجماً من المساعدات الأمنية لا سابق له خلال العقد المقبل، وهي الرزمة الأكبر من المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة لدولة من الدول على الإطلاق».
لكنّ نيغل رفض بدوره «القول إنه كان ممكناً الحصول على مساعدات أكبر لو وقعنا الاتفاقية قبل الاتفاق النووي الإيراني»، لافتاً إلى أن «ما نحصل عليه الآن يأتي على خلفية الاقتطاعات في موازنة الدفاع الأميركية». وشدد على وجود تحفّظ إسرائيلي واحد في الاتفاقية يتيح لتل أبيب طلب مساعدات إضافية، وهو في حالة الحرب، مشيراً إلى أن «الأميركيين قالوا بصورة قاطعة إنه في الحرب يمكننا أن نطلب زيادة على المساعدات».