توغُّل اليمنيين في العمق السعودي بعد عام ونصف عام من بدء الحرب أقلق الأميركيين قبل السعوديين، الأمر الذي أجبر واشنطن على تقديم اقتراح سري إلى طهران، متجاهلة فيه الرياض، من أجل التفاوض على مصير الحرب. هذا الأسلوب الذي يتبعه الأميركيون، هو تكرار لسيناريو بريطاني فعلته لندن في السنة الأخيرة للحرب العراقية ــ الإيرانية، حينما نُقلت رسالة إلى طهران مفادها «أننا مستعدون للتفاوض».في ذلك الزمن، بدأ الرئيس السابق صدام حسين حربه ضد الجمهورية الإسلامية الشّابة عام 1980، وهو يَعد جنوده بأن يتناولوا وجبة الفطور في أهواز (جنوب غربي إيران)، ووجبة الغداء في طهران، بعدما تلقى دعماً غير محدود من قوى عالمية ودول إقليمية في مقدمتها السعودية. لكن رياح الحرب لم تجرِ بما كانت تشتهي سفن صدام، بل استطاع الإيرانيون في السنة الأخيرة من الحرب أن يحرروا الأجزاء التي دخلها الجيش العراقي، ودخلوا إلى عمق كركوك من جهة، والبصرة من جهة أخرى.
بعبارة أخرى: الحرب التي كانت تنوي غزو طهران وإسقاط حكومتها، تحولت فجأة إلى خطر يهدد بغداد، ما دفع بريطانيا آنذاك إلى تقديم اقتراح لإجراء مفاوضات سرية تهدف إلى احتواء صدام مقابل انتزاع امتيازات من مرشد الثورة آنذاك آية الله الراحل روح الله الخميني، فيما رفض الأخير الاقتراح البريطاني، برغم أنه كان قد تجاهل صدام واعترف ضمناً بالصمود الإيراني.
تربط طهران النقاش برأي المجلس السياسي الأعلى في صنعاء

في سياق الحرب اليمنية، يكشف مصدر مطلع في طهران عن أنّ واشنطن مررت قبل أسابيع، وتحديداً قبيل طرح «خطة (وزير الخارجية الأميركي جون) كيري» في 12 آب الماضي، رسالة إلى السفارة الإيرانية لدى مسقط (عبر الحكومة العمانية)، تقترح بموجبها إجراء مفاوضات إيرانية ــ روسية ــ أميركية على مستوى الخبراء بداية، لتقرير مصير الحرب، من دون أي ذكر للسعودية في الاقتراح.
ويضيف المصدر أنّ الاقتراح علمت به السعودية وأزعجها، لكن الجمهورية الإسلامية لم ترحب به ولم تردّ عليه بعد، بل يبدو أنها ستكرر رد فعل الخميني في ظل تشابه الظروف والسلوك، فضلاً عن ضرورة تأكيد أن «الطرف المخول للحديث معه في أي تفاوض هو الجانب اليمني المتمثل حالياً في المجلس السياسي الأعلى».
المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أكّد أن أحد مساعدي وزير الخارجية الإيراني (محمد جواد ظريف)، أبدى ترحيبه بالاقتراح، معلناً استعداده الدخول في المفاوضات المقترحة، ولكن لم يسمح له بالتحرك حتى الآن في القضية، لأن الأوساط المعنية ترى أن الهدف الأساسي للطرح الأميركي هو أساساً «إيقاف الزحف اليمني في العمق السعودي»، أي احتواء الحرب لا إيقافها، من ثم ترتب واشنطن أوراقها مع السعودية. كذلك استبعد أن تجيب طهران في أي وقت قريب، ما دام التقدم اليمني متواصلاً في السعودية، وأيضاً في ظل الأجواء الانتخابية في الولايات المتحدة وانهماك «الحزب الديموقراطي» فيها.
إذن، تعددت الأسباب التي دفعت جون كيري إلى طرح خطة لإنقاذ السعودية من الورطة: أولاً اليمنيون تجاوزوا الخطوط الحمر (وفق النظرة الأميركية) بدخولهم العمق السعودي، والصواريخ الباليستية يتّضح كل يوم أن مدياتها تزيد، خاصة بعد سقوط صاروخ «بركان 1» قرب مدينة الطائف (غربي المملكة)، ما يعني أن هذه الصواريخ تستطيع استهداف أماكن أبعد من حيث المدى. كذلك إن إصابة صاروخ واحد المستوعبات النفطية السعودية في نجران، كان كفيلاً برفع سعر برميل النفط الخام 2% عالمياً وفق مراقبين، ما قد يسبب فوضى في سوق الطاقة العالمية، وهذا ما لا يريده البيت الأبيض عشية الانتخابات.
من جهة أخرى، استطاع الرئيس الأميركي باراك أوباما، إمرار صفقات شراء أسلحة أميركية للسعودية بأرقام قياسية تفوق 120 مليار دولار خلال ولايتيه، منها صفقة 150 دبابة «أبرامز» أُعطِب العشرات منها بالصواريخ اليمنية المضادة للدروع، الأمر الذي دفع مرافقاً عسكرياً لجون كيري ــ خلال زيارته الأخيرة للمملكة ــ إلى تقديم نصيحة لولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بأن يستخدم الجيش جنوداً أكثر كفاءة وبراعة لقيادة المركبات الأميركية، حتى لا يضر ذلك سمعة الصناعة الأميركية التي باتت تهان على أيدي مقاتلين لا يملكون إلا أسلحة صغيرة وبضعة صواريخ موجهة.
وضمن سياسة «تبريد الحرب» لا إنهائها، لا مشكلة لدى واشنطن في تجاوز الرياض الآن وغداً، أو على الأقل حتى تتجاوز الاستحقاق الانتخابي بسلام، وهذا ما تستوعبه القيادة الإيرانية، وتعرف أن حتى مجرد قبول الحديث في المقترح الأميركي، أو مناقشته مع اليمنيين، هو خطأ لا يقع فيه المبتدئون.