كشفت عملية نقل مسلحي ومدنيي مدينة داريا، جنوبي غربي العاصمة دمشق، حقائق مثيرة، فيها ما يدين فرق الأمم المتحدة العاملة في سوريا وتقاريرها الميدانية. إذ انتقل المسلحون، وبعض عائلاتهم، إلى إدلب، فيما المدنيون الآخرون إلى مركز إيواء في بلدة حرجلة، في الريف الدمشقي الجنوبي، وذلك خلال يومين فقط، بعدما كان مخطّطاً لأربعة أيام، ما شكّل مفاجأة، وخصوصاً أن عدد المسلحين بلغ 1217، أما المدنيون فكانوا 534 شخصاً. وهو ما يتعارض مع التقارير الميدانية للأمم المتحدة، وادعاءات المجموعات المسلحة بوجود 8000 مدني تحت الحصار.وامتنعت المصادر العسكرية، المسؤولة عن المفاوضات وعملية الإجلاء، عن التصريح الإعلامي قبل تنفيذ الاتفاق، مكتفية بنفي كل ما يشاع عن العملية، باعتبار المعلومات المتداولة غير دقيقة، الأمر الذي يفسّر تحييد فرق عمل الأمم المتحدة، خلال مراحل العملية، من قبل الجيش والمسؤولين الحكوميين.
بلغ عدد مسلحي داريا 1217، أما المدنيون فكانوا
534 شخصاً

بدورها، تواصل وحدات الهندسة في الجيش السوري تفكيك العبوات الناسفة التي لا تزال على خطوط التماس، إضافةً إلى تأمين الشوارع والأحياء، بعدما أخلاها المسلحون.
مساحة سيطرة المسلحين لا تستوعب الأعداد التي تحدّثت عنها تقارير الأمم المتحدة، وتضم أحياء الشياح، والجمعيات، والفصول الأربعة، وصولاً إلى مقام السيدة سكينة. ونظراً الى صعوبة الوصول إلى معلومات دقيقة من تلك المناطق، سابقاً، فقد وضع الضباط الميدانيون في حسبانهم احتمالاً ضعيفاً، لكن قائم، بأن يبلغ العدد حوالى 4000 مدني، استناداً إلى تقديرات الأمم المتحدة، بعد زيارة وفدها للمدينة، في نيسان الماضي.
لم تحتج العملية إلى المدة التي خُطّط لها، بل كان اليومان كافيين جداً لإنجازها، فطرح عددٌ من الجنود المقاتلين على جبهات داريا سؤالاً على أنفسهم «هل كانت لعبة بهذه الفجاجة من قبل المسلحين ومن وراءهم؟».
وإن كانت خدعة، فإنها لم تكن من نصيب النظام ولا استخبارات الجيش والمقاتلين السوريين، بل من نصيب كوادر الأمم المتحدة، إضافة إلى المتعاطفين إنسانياً مع أعداد مدنيي داريا المحاصرين، المُعلن عنهم، سواء كانوا من موالي النظام أو من معارضيه. فكان خروج المسلحين من المدينة «غير مكابر»، كما وصفته المنابر الإعلامية، إلا أنه كان هزلياً لمراهقين يتوعدون بالعودة (على الرغم من استحالتها)، مهددين بذبح عناصر الجيش، ومناقضين بُكائياتهم الإنسانية السابقة.
وشكّل «ثوار» داريا مثالاً لمسلحي الجوار، إذ طالب مسلحو المعضمية، أيضاً، بالتفاوض خلال الفترة الماضية، واشترطوا في الأيام الأخيرة أن يكون اتفاقهم مع الجيش مماثلاً لاتفاق داريا، أي بنقلهم إلى مدينة إدلب.
وفيما نقلت مصادر ميدانية دخول وفود ولجان مصالحة إلى المعضمية، وبلدات أخرى في الغوطة الشرقية، بشكل غير مسبوق، من المتوقع الإعلان عن إنجاز اتفاق في المعضمية وتطبيقه فور استكمال تحضيراته.
وبحسب المصادر، فإن الطرف الممثل للجيش يطرح شرط الطرف السوري لإتمام الاتفاق بالإفراج عن المختطفين، وسط الحديث عن إمكان كشف مصير ما يزيد على 4000 مخطوف في دوما، خلال عمليات إنجاز «المصالحات».
ومن المتوقع أن يصعّب ملف المخطوفين إتمام أي اتفاق في الغوطة، إضافةً إلى عرقلة متوقعة لإنجاز اتفاق المعضمية، على الرغم من رسائل عدّة موجّهة للجيش، من قبل ممثلين عن فصائل مسلحة في المعضمية، تفيد بجاهزيتهم لتنفيذ تسوية جديدة.
وتنقل لجان «المصالحة» أن صعوبة ملف «المصالحات» في الغوطة الشرقية تتجلى في كثرة الفصائل المسلحة واختلاف ولاءاتها، وعلى رأسها «جبهة فتح الشام». كما يُستبعد إنجاز أي تسوية تتعلق بمدينة دوما، في الوقت الحاضر، باستثناء مفاوضات لإطلاق سراح المخطوفين داخلها، مقابل إفراج الحكومة السورية عن عدد من المعتقلين.