توحش السلطة في مصر، في الاستبداد، الذي وصل كراسيّ البرلمان، ليعيد المجلس، المختار في انتخابات غابت عنها المنافسة القوية، زمن استبداد برلمان حسني مبارك. يمرر النواب هنا ما يشاؤون من قوانين وينكّلون بأحكام القضاء ويواصلون تجاهل الدستور، وسط غياب رادع قوي يوقف المجلس الذي ينفذ أعضاؤه تعليمات الأجهزة الأمنية، وفي أحيان يزيدون عليها.استبداد البرلمان برئاسة «أستاذ القانون» علي عبد العال، ليس محصوراً في التأويلات للدستور والقوانين، ولكنه يمتد إلى رفض المجلس التزام الدستور وأحكام القضاء، وآخرها الحكم ببطلان عضوية النائب أحمد مرتضى منصور وإبداله بعمرو الشوبكي عن دائرة الدقي، بعد اكتشاف مخالفات وأصوات لم تحتسب في عملية الفرز.
يعيد النواب استبدادية مجلس مبارك ويتجاهلون القضاء

هذا الحكم، مثلاً، كان يفترض بالبرلمان تنفيذه على وجه السرعة، لكن عبد العال تلكّأ وأحاله إلى «اللجنة التشريعية» في المجلس، التي شهدت خلافات، قبل أن يعود القرار إلى رئيس البرلمان مجدداً، فحُفظ الحكم في الأدراج من دون اتخاذ إجراء حاسم، رغم النص الدستوري الصريح بتنفيذ أحكام «محكمة النقض» (أعلى جهة قضائية)، في تكرار لعصر المجلس «سيّد قراره» الذي استخدمه نواب «الحزب الوطني».
حتى الآن، لم ينفذ البرلمان أكثر من نصف الاستحقاقات الدستورية التي ألزمه بها الدستور، كالقوانين المكملة للدستور والمرتبطة بالمنظومة الإعلامية والمجالس القومية المتخصصة وغيرها، مع أنه كان يجب إنجازها في الفصل التشريعي الأول، الذي أعلن عبد العال انتهاءه خلال الأيام المقبلة، ثم بداية فصل ثانٍ في الثاني من تشرين الثاني المقبل.
أيضاً، أقرّ النواب موازنة مخالفة للدستور لا تستوفي المبالغ المالية المخصصة للصحة والتعليم، بل تزيد ميزانيات وزارتي الدفاع والداخلية، فيما يواصلون استبدادهم عبر عرقلة تمرير قانون بناء الكنائس الموحد الذي تم الاتفاق عليه بين الكنائس المصرية والحكومة. بعض النواب، أصلاً، أوصتهم الحكومة بالاعتراض على بنود في القانون تقلص صلاحيات الجهات الإدارية في إنشاء الكنائس، ليكون هذا شاهداً جديداً على فصل جديد من تنفيذ المجلس التعليمات الأمنية دون مصالح الوطن.
يوم أمس، مرّر المجلس قانون القيمة المضافة لزيادة الضرائب، لتبدأ من العام الجاري بنسبة 13%، على أن ترتفع العام المقبل إلى 14%، وهي الضريبة التي ستصاحبها موجة ارتفاع جديدة، رغم الانتقادات التي وجهت إلى النسبة المحدّدة سلفاً من «صندوق النقد الدولي»، كشرط للحصول على قرض بـ12 مليار دولار. المفارقة أن الزيادة المرتقبة في الأسعار لمصلحة ميزانية الدولة حاربها النواب خلال إقرارهم لائحة المجلس قبل شهور قليلة، ليس من أجل الجمهور، بل لإعفائهم من تسديد الضريبة على الرواتب والبدلات التي يتقاضونها لقاء عضويتهم، ليكونوا ضمن الجهات التي تستثنى رواتبها من الضرائب.