كما في إدلب، كذلك في السويداء. يصوّر النائب وليد جنبلاط نفسه حامياً للدروز في لبنان وسائر المشرق. مسعاه في إدلب لم يُكلّل بالنجاح. فبعدما اجتاح مسلحو «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ــ جبهة النصرة» قرى جبل السماق في ريف إدلب (التي يقطنها مواطنون سوريون ينتمون إلى الطائفة الدرزية)، زار جنبلاط تركيا، شاكياً إلى حكومة أنقرة ضعف حاله. ما سمعه الرجل في أنقرة دفعه إلى العودة إلى لبنان، مقترحاً على رجال الدين في طائفته العودة إلى «الاستتار بالمألوف». تحدّث علناً عن ضرورة إشهار الدروز إسلامهم، وبناء المساجد في قراهم.
زعيم المختارة وفريقه الديني لم يُفلحوا في التغطية على ما قام به مسلحو «القاعدة « في إدلب. وبعد محاولة التعتيم لأشهر على ما جرى في تلك القرى، خرج أمير «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني ليعلن في مقابلته على قناة «الجزيرة» الأسبوع الماضي أن تنظيمه أرسل دعاةً بيّنوا للدروز «انحرافهم عن الدين»، وأن الدروز «اقتنعوا» بكلام «الدعاة»! ثم أضاف أن مسلحيه هدموا «المظاهر الشركية» كالقبور التي تُزار في تلك القرى. بصريح العبارة، قال الجولاني إن دروز إدلب نجوا لأنهم بدّلوا دينهم.
في هذه الأيام، يُظهر جنبلاط القلق على دروز الجنوب السوري، وخاصة في محافظة السويداء التي تقف «جبهة النصرة» على تخومها من الجنوب والغرب، فيما يتحرّش تنظيم «داعش» بقراها الشمالية الشرقية.
والمفارقة هنا أن جنبلاط الذي يهاجم النظام والجيش السوريَّين، ويمجّد قوى المعارضة المسلحة، وعلى رأسها «النصرة»، بات يستشعر الخطر منذ أن سيطرت «النصرة» وحلفاؤها على بلدة بصرى الشام المحاذية للسويداء، في آذار الماضي. أي إن الرجل يُدرك أن الجيش السوري هو الضمانة الحقيقية لدروز السويداء.
صار رئيس «جبهة النضال الوطني» يحذّر من الخطر المحدق بأهل السويداء. يظنّ أن بمقدروه طمس ما حلّ بدروز إدلب. لكن من الصعب عليه، إن لم يكن مستحيلاً، تكرار الأمر ذاته إذا وقع في السويداء ما يخشاه النائب الشوفيّ. يدرك جنبلاط أن مواقفه المعارضة للرئيس السوري لا تشكل ضمانة لأحد، أمام «البرابرة الذين يقفون على الأبواب» على حد تعبيره. وفي مجالسه، وأمام صحافيين، وصل به الأمر إلى حد القول إنه يرى في شهداء حزب الله في سوريا مدافعين عن لبنان، و»عن كل قوى الاعتدال فيه، وعلى رأسهم تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري».
الرجل الذي كان يدعو أهل السويداء إلى عدم التسلح، معتبراً لجوءهم إلى حمل السلاح خضوعاً لمؤامرة النظام، وصلته قبل أيام معلومات تفصيلية عما حاول تنظيم «داعش» فعله في بلدة الحقف في الريف الشمالي الشرقي للسويداء، حيث حمل أهل البلدة ما توافر بين أيديهم من أسلحة، وهبّوا للدفاع عن منازلهم إلى جانب مدفعية الجيش السوري وطائراته وجنوده. وصلت هذه المعطيات إلى مسمع جنبلاط مرفقة بـ»تقدير للأوضاع» في سوريا، من وجهة نظر حزب الله، وبتأكيد أن الجيش السوري وحلفاءه لن يسمحوا لداعش بالاقتراب من مدينتي حمص والقصير، وأن دمشق محصّنة، وأن الجيش السوري لم يخلِ مواقعه في السويداء ومحيطها. فجنبلاط وبعض المقربين منه يشيعون عكس ذلك.
ما العمل؟ يحلو لجنبلاط طرح السؤال. ولم يجد الإجابة عنه هذه المرة إلا في العاصمة الأردنية عمّان التي زارها قبل نحو 6 أشهر، ليبحث مع حاكمها «عبدالله الثاني» أوضاع الدروز في جبل العرب. وقبل نحو أسبوعين، أوفد جنبلاط الوزير وائل بو فاعور إلى عمان، للبحث في الأمر عينه. ثم تبعه الوزير أكرم شهيب نهاية الأسبوع الماضي. عاد الوزيران من عمّان حاملين أجوبة على اقتراح رئيس حزبهما «تحييد السويداء» عن أي معركة مستقبلية بين المعارضة والجيش السوري. لكن الرجل لم يحصل حتى اليوم على ما يطمئنه. عبّر خلال السنوات الماضية عن إعجابه برواية «دروز بلغراد» لربيع جابر. في تلك الرواية، رضي الدروز بحُكم السلطان العثماني الذي قاتلوا بسيفه. قبِلوا نتيجة اتفاق دولي بنفي أبنائهم إلى البلقان، فقضى المنفيون الدروز جوعاً أو عطشاً أو قَتلاً أو مرضاً في سجون بلاد الصرب والبوسنيين وطرقاتها. لم ينجُ منهم أحد.