منذ تقدمّه نحو الشيخ نجار قبل حوالي عشرة أيام، كان واضحاً أن تنظيم «الدولة الإسلاميّة» في طريقه نحو خلط الأوراق مجدداً في ريف حلب. خطوات «داعش» تلك اكتسبت حينها أهمية خاصة، لأنها تضمن له التحرك تالياً في اتجاهين: مواصلة الهجمات ضد الجيش السوري ومحاولة السيطرة على كامل المدينة الصناعية، أو السعي إلى حصار مدرسة المشاة الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلحة (مكونات الجبهة الشاميّة التي حلّت نفسها كفصيل جامع، وأبقت تسميتها كغرفة تنسيق وعمليات مشتركة).
التنظيم ذهب (في المرحلة الحالية) نحو الخيار الثاني، وسيطر تباعاً على مجموعة قرى صغيرة واستراتيجية، مثل البل وغرناطة الوحشيّة، ما أتاح له قطع طريق إمداد حيوي لخصومه، لتنتقل المعارك لاحقاً إلى تخوم مدرسة المشاة التي يبدو مصرّاً على السيطرة عليها. علاوة على شنّه هجمات متزامنة في مارع، وصوران، وفي محيط اعزاز. ومجدداً، تكتسب هذه التحركات مفاعيل استراتيجية ثنائية المنحى. ففي الوقت الذي يمكن لـ«داعش» أن يكثّف فيه هجماته على اعزاز تمهيداً للسيطرة على معبر باب السلامة الحدودي، يحتفظ أيضاً بفرصة الالتفاف نحو المعبر مباشرة. وفي حال سيطرته عليه سيغدو بإمكانه أن يهاجم اعزاز من جهتي الشمال والشرق. وعلى الرغم من أن سيطرة التنظيم المتطرف على معبر باب السلامة تُعد في نظر البعض خطّاً تركيّاً أحمر، لكن هذا لا يعني أن أنقرة قد تتخذ أي خطوات في هذا الإطار. فالتنظيم يسيطر أساساً على معبر تل أبيض من دون أي مانع تركي. النقطة الجديرة بالتوقف عندها هي أن اختيار «داعش» مهاجمة مناطق سيطرة المجموعات المسلّحة، لا يعني بالضرورة عزوفه عن مهاجمة مناطق سيطرة الجيش السوري، أو محاولة مهاجمة مدينة حلب نفسها في مرحلة لاحقة، وخاصة في ظل احتفاظه بمساحات سيطرة واسعة في الريف الشرقي.

عمليات «التحالف»
لم تكتسب بُعداً حقيقيّاً إلا في
حالة عين العرب

وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات بين محافظتي دير الزور وحلب، غير أن استمرار معارك التنظيم في مسارها الحالي في ريف حلب، تبدو شبيهة إلى حد كبير بمسار معاركه السابقة في دير الزور، حيث عمل حينها على طرد «النصرة» وحلفائها كمرحلة أولى، باسطاً بذلك نفوذه على معظم مناطق الريف، مع ما يعنيه ذلك من استقطاب المزيد من المقاتلين المحليين، قبل أن يتفرّغ لمواجهات الجيش. وهو أمرٌ لا يُستبعد أن يحاول «داعش» تكراره في حلب. وكما سبق لمناصري «النصرة» وحلفائها أن سوّقوا لنظرية «الجيش السوري يساعد داعش» في معركة دير الزور، عادت النغمة ذاتها في ما يخص معارك ريف حلب. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن رهانات الجيش في دير الزور كانت قد اعتمدت على محاولة إدارة الصراع بين «الإخوة الأعداء»، انطلاقاً من أن أي صراع من هذا النوع سيؤدي إلى إضعاف الطرفين. ورغم أن تفوّق «داعش» على باقي المجموعات قد يصب نظريّاً في مصلحة الجيش («داعش» التنظيم الوحيد الذي أقرّت مختلف الجهات الإقليمية والدولية على اعتباره «تنظيماً إرهابيّاً»، ما يضع الجيش في مواجهة الإرهاب باعتراف الجميع)، لكنّ هذه الاستراتيجية تبدو محفوفة بالمخاطر في ظل غياب أي ترجمة دولية حقيقية لهذا الاعتراف حتى الآن. ورغم أن التحليلات التي تأخذ في الحسبان مدينة عفرين (الخاضعة لسيطرة الأكراد) بوصفها هدفاً محتملاً لاحقاً لهجمات «داعش» جديرة بالاهتمام، غيرَ أن إقدام التنظيم على خطوة مماثلة سيعني (على الأرجح) تكرار سيناريو عين العرب (كوباني) الذي كانت خواتيمه كارثيّة بالنسبة إليه، وهو أمرٌ يعيه المخططون العسكريون لـ«داعش». وكما بات معلوماً فإنّ عمليات «التحالف الدولي» لم تكتسب بُعداً حقيقيّاً إلا في حالة عين العرب، وبعض مناطق الحسكة الخاضعة لنفوذ الأكراد. وكما تجاهل «التحالف» تحركات «داعش» الأخيرة في ريف حمص (التي أفضت إلى السيطرة على تدمر)، ها هو يؤدي الدور نفسه في تحركات ريف حلب، ليغدو الأمر وكأنّ طيران «التحالف» هو من يرسم تحركات التنظيم المتطرّف على الأرض، عبر مهاجمته في مناطق، وغض النظر كليّاً في مناطق أخرى.