هذه المرة، يتظاهر الطلاب في مصر ليس اعتراضاً على تسريب الامتحانات أو المطالبة بتحسين أوضاعهم الدراسية، ولكن للمطالبة بالسماح باستمرار الدروس الخصوصية التي يتلقونها لدى المدرسين في المراكز التعليمية أو في منازل الذين يحققون مداخيل شهرية تتجاوز 10 آلاف دولار بسبب سمعتهم وشهرتهم. هؤلاء المدرسون منتشرون في معظم المحافظات، فيما تمتلئ مراكز الدروس الخصوصية بعدد كبير من الطلاب، إلى حد وجود مئة طالب في الفصل الواحد، داخل بعض المناطق في القاهرة الكبرى.وتزداد ظاهرة الدروس الخصوصية في مصر بوضوح خلال المراجعة النهائية قبل الامتحانات، إلى حد أن أحد الأساتذة استأجر قبل شهرين «استاداً كاملا» حتى يتمكن من إلقاء حصته الأخيرة أمام جميع الطلاب الذين تجاوز عددهم 10 آلاف، وهي واقعة شهيرة أحيل فيها المدرس إلى النيابة للتحقيق بتهمة مخالفة القانون، كما عوقب مسؤولو الجامعة على سماحهم بإقامة الدرس في «الاستاد».
وفي نهاية العام الدراسي الماضي، نفذت حملات من وزارتي التربية والتعليم والداخلية دهماً لعدد من مراكز الدروس الخصوصية وقرر إغلاقها والقبض على المدرسين فيها وإحالتهم إلى النيابة بتهمة مخالفة القانون، وهو ما دفع «التعليم» إلى الاتفاق على حل ودي مع معظم المدرسين لاستمرار الوضع كما هو في العام الدراسي المنصرم، وهو ما تم بالفعل، لكن بداية الشهر الجاري (موعد بدء الدروس الخصوصية للمرحلة الثانوية ومعظم المراحل التعليمية) اختلف الوضع.
متوسط إنفاق الأسر المصرية على التعليم يصل إلى نحو 40% من دخلها

ونظم الطلاب في الأسبوعين الماضيين أكثر من تظاهرة أمام عدة مديريات تابعة لوزارة التعليم للاحتجاج على القرار، وشارك فيها مئات اشتكوا من عجزهم عن التحصيل في الثانوية العامة، التي يفضل معظم الطلاب الغياب الجماعي عنها للمذاكرة في المنازل، معتمدين على الدروس الخصوصية. كما أعلن عدد من المدرسين توقفهم عن تنظيم الدروس، رغم تجميع بعضهم أسماء الطلاب، وذلك انتظاراً للوصول إلى صيغة مع وزارة التربية والتعليم ترضي الطلبة، في ظل الرفض الكامل لحظر «الخصوصي»، وهو ما دفع بعض المدرسين إلى الاكتفاء بمجموعات صغيرة مع منحهم الدروس في منازلهم وليس في منزل المدرس أو المراكز تجنباً لملاحقة الشرطة.
لكن الدروس في المنازل ستزيد التكلفة على كاهل الأسرة المصرية، وخاصة أن المدرسين الذين لجأوا إلى هذا الحل زادوا قيمة أجورهم ليعوضوا غياب المجموعات التي كانت تستغرق الوقت نفسه في العمل، علماً بأن تقارير رسمية صادرة عن «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء»، قدرت أن متوسط إنفاق الأسر المصرية على التعليم يصل إلى نحو 40% من دخولها، فيما سيحرم إلغاء المجموعات الكبيرة الأسر المحدودة الدخل من إشراك أبنائها بسبب تضاعف التكلفة.
حتى الآن، لم تبدأ معظم المراكز التعليمية عملها، فالإجراءات التي اتخذتها «التعليم» حالت دون ذلك، فيما أعلن الوزير الهلالي الشربيني تفعيل القرار الوزاري الصادر بشأن مجموعات التقوية في المدارس، وهي مجموعات يشترك الطلاب فيها ويكون مدرسوها من المعلمين الرسميين، لكنها بحضور أعداد أقل وبأجر رمزي يحصل المدرس منه على جزء زهيد. وهذه المجموعات توقفت منذ سنوات ولم يعد الطلاب يشتركون فيها، وخاصة أنهم يفضلون الدروس الخصوصية.
ولم تنجح «التربية والتعليم» من قبل في إلزام الطلاب بالحضور في المدارس رغم تخصيصها 10% من المجموع الكلي على الحضور والأخلاقيات، وذلك بسبب اعتراضات الطلاب ووجود مزاجية في تقييمات المدرسين. كما أن الوزارة غير قادرة على التعامل مع أزمة الثانوية العامة في وقت سيبدأ فيه تطبيق نظام جديد لم تكشف ملامحه كاملة مع بداية العام الدراسي المقبل، وذلك على طلاب الصف الأول الابتدائي، ضمن خطة تطوير التعليم التي تشرف عليها الرئاسة وستتضمن إلغاء الاعتماد على مجموع الثانوية العامة كمؤهل للجامعة، ثم ستصير معتمدة على التقدير التراكمي واختبارات قدرات في مراحل عمرية مختلفة.
وتقول الوزارة إن عودة المجموعات الدراسية مع بداية العام ستخلق ارتباطاً بين الطالب والمدرسة، وستجعله حريصاً على الوجود فيها، لكن الطلاب يرون في هذه الخطوة إعاقة عن المذاكرة والتركيز باعتبارهم يعيشون تحت ضغوط أسرية واجتماعية كبيرة.
يقول الباحث في «المركز القومي للبحوث التربوية»، كمال مغيث، إن قرار الوزارة منح الضبطية القضائية لأعضاء الشؤون القانونية في غلق مراكز الدروس الخصوصية لم يتم وفق استراتيجية شاملة تضمن عدة أمور؛ منها مصلحة الطالب وكرامة المعلم، مشيراً إلى أن غياب قانون يجرم الدروس الخصوصية وعجز «التعليم» عن إصلاح النظام التعليمي يخلقان خللاً واضحاً.
ورأى مغيث، في حديث إلى «الأخبار»، أن الوزارة تحتاج إلى قرارات عدة بخلاف الضبطية القضائية، وخاصة في ما يتعلق بالمناهج التي يدرسها الطلاب، مشيراً إلى أن ما يحدث الآن يشبه ما حدث سابقاً في محاولة إلزام الطلاب بالحضور ولم ينجح بسبب الثقافة السائدة عن أن الدروس الخصوصية هي السبيل الوحيد للتفوق.