حصلت «الأخبار» على رسالة مؤرّخة في السابع عشر من تموز الماضي، موجهة من «اللجنة المركزية لحركة فتح ــ مكتب نائب أمين السر»، عبر عضو اللجنة جبريل الرجوب، إلى رئيس السلطة، محمود عبّاس، يطلب فيها الأول «تغطية الالتزامات المترتبة على زيارة وفد سعوديّ، برئاسة اللواء أنور عشقي، لدولة فلسطين بين 18/7/2016 لغاية 26/7/2016».أول ما تكشف عنه هذه الرسالة وجود تنسيق كامل بين رئاسة السلطة والسعودية من أجل إنجاح هذه الزيارة، وهو ما ظهر واضحاً في حضور الرجوب اللقاء في تل أبيب خلال حضور عشقي.
وفيما لم تنته المطالبات بإقالة الرجوب من منصبه في رئاسة الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، بعد تنازله عن قرار طرد إسرائيل من «الاتحاد العالمي لكرة القدم» (الفيفا)، يواصل الرجل بكل أريحية العمل في ملفات أمنية وسياسية أخرى كبيرة (راجع العدد ٢٣١٤ في ١٠ حزيران ٢٠١٤)، فيما لم يتخذ عباس قراراً بشأن تلك المطالبة، وبالتأكيد فإنه لن يمانع صرف التغطية المالية المطلوبة.
رئيس "الأمن الوقائي" السابق كان حاضراً مع عشقي في تل أبيب

برغم محاولات حثيثة لاستصدار تصريح من الرجوب نفسه أو قيادات وازنة في «فتح»، رفضت غالبيتها التعقيب على هذه الورقة، التي أشار إلى نصّها القيادي في حركة «حماس» يوسف رزقة، دون أن يضمن نصّاً صريحاً من مصدرها، وذلك قبل نحو أسبوع، وهذا ما يدل على النفوذ الذي يحظى به الرجوب، فضلاً عن تهرب «فتح» من أي موقف يحرج الحركة في ظل إمكانية إجراء انتخابات بلدية قريبة.
اللواء الرجوب، برغم تركه الظاهري لساحة السياسة، وتركيزه في الجانب الرياضي الذي يلمس لعبة المال والتوازنات، لا يخفي طموحه إلى الوصول لمنصب كبير في السلطة، أو حتى رئاستها بعد عباس. الرجل المولود في بلدة دورا (جنوب الضفة المحتلة)، عام 1953، هو ابن إحدى العائلات الكبيرة والثرية في البلدة، وكان قد انخرط في صفوف «فتح» في سنّ مبكرة، وشارك في عدد من العمليات العسكرية، قبل أن تتمكن القوات الإسرائيلية من اعتقاله ثم الحكم عليه بالمؤبد.
قضى الرجوب 17 عاماً من محكوميته قبل أن يخرج في تبادل عام 1985، بين «الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة»، وإسرائيل، ثم أعيد اعتقاله في 1987، ثم أبعد إلى الأردن ومنها إلى تونس عام 1988، حيث تمكن من التقرب من الرئيس الراحل ياسر عرفات، حتى عودة السلطة إلى فلسطين عام 1993.
بعد ذلك، شهدت سيرة الرجل تحولاً كلياً، فهو ترأس «جهاز الأمن الوقائي» لمدة عشر سنوات، وعرف عنه شدته، خاصة أنه تحوّل من سجين إلى «سجّان». كذلك لمع اسمه خلال سنوات ترؤسه «الوقائي»، الذي ذاع صيته في اعتقال معارضي اتفاق أوسلو وتعذيبهم.
في مرحلة لاحقة، خسر الرجوب انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، فيما نجح شقيقه نايف رجوب (عن حركة «حماس») فيها، ما دفع الأول إلى الاستقالة من منصبه بعدما كان مستشاراً للأمن القومي لعباس.
وما كاد يأفل نجمه في الساحة السياسية، حتى برز في 2009 حينما انتخب عضواً للجنة المركزية لـ«فتح»، لكنه أعلن مغادرته الساحة السياسية ليمسي رئيساً لـ«الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم»، و«اللجنة الأولمبية الفلسطينية»، و«المجلس الأعلى للشباب والرياضة».
لكنه ما لبث أن عاد يُقحم الرياضة في السياسة، وصرح في مقابلة مع القناة الخامسة الإسرائيلية عام 2012، بأنّ من الأفضل للقضية أن يرى العالم الفلسطينيين «بالشورتات» وليسوا وهم ملثمون، ما أثار غضباً شديداً في أوساط الفلسطينيين.
للرجوب صولات وجولات، فهو سبّب العام الماضي أزمة بين الأردن وفلسطين في أعقاب التصويت على انتخاب رئيس جديد لـ«الفيفا»، بعدما أقرّ بأنه لم يصوت للأمير حمزة بن الحسين، ثم أثار موجة حادة من الانتقاد حينما سحب طلب تعليق عضوية إسرائيل في «الفيفا».
إذاً، لا غريب في طلبه من عباس تغطية زيارة تطبيعية عربية لإسرائيل، فهو تحول من مقاوم معتقل، إلى رجل تنسيق مع العدو، ثم إلى طامح عبر الدوحة للوصول إلى كرسي رئاسة السلطة، خاصة أنه لا تنسى محاولته إبان حكم عرفات، الذي عزله عن منصبه مدة أشهر، بعدما تناهى إلى مسامعه مخطط رجوب للسيطرة على الضفة، مستغلاً مرض الأخير. وجاءت بعدها حادثة «الصفعة» الشهيرة التي وجهها عرفات إلى الرجوب.
لم تتوقف طموحات الرجوب إلى كرسي السلطة عند تلك المرحلة فحسب، بل دخل في حرب ضروس مع محمد دحلان، سعياً منه إلى قطع الطريق أمام دحلان في خلافة عباس، وهو ما قد يفسر علاقته الجيدة مع السعودية وقطر على حساب الإمارات.