أثارت دعوة وزارة الخارجية الأميركية الأطراف المتحاربة في اليمن إلى «وقف الأعمال العدائية» في تعليق على غارة «التحالف» التي استهدفت مستشفى في محافظة حجة، تساؤلاً عن الموقف الأميركي وإمكانية تغيّره باتجاه الضغط إلى وقف الحرب على اليمن. إلا أن معطيات عدة يمكن أن توضح صعوبة تغيير الموقف الأميركي وابتعاده عن التوجه السعودي في مواصلة الحرب ولا سيما بعد إعادة تفعيلها عبر التصعيد العسكري.فبرغم تزايد الأضرار التي لحقت بالسمعة السعودية وتكرار اتهامها بانتهاك حقوق الانسان وعدم احترامها قواعد الاشتباك وتحييد المدنيين في حربها على اليمن، تتعاطى الولايات المتحدة مع النظام العائلي في السعودية على أنه صمام أمان لسياستها في الشرق الأوسط، إذ ترى واشنطن أن خسائر العائلة الحاكمة السعودية خسائر مباشرة لها. ومن هذا المنطلق تتعاطى الإدارة الأميركية مع معركة السعودية في اليمن على أنها معركتها، وتصر على التبني الكامل للسعودية من خلال انتهاج سياسة دفاعية منظمة ومحكمة عن انتهاكات الرياض المدمرة لحقوق الإنسان في المحافل الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، إلى جانب تبنيها سياسياً في مجلس الأمن مثلما حصل عندما حاولت واشنطن تحميل مسؤولية فشل مفاوضات الكويت لوفد صنعاء عبر إصدار بيان قبل أن يعطّله الرفض الروسي. وأصبح معروفاً أن الدعم العسكري الأميركي لا يتوقف عن تزويد السعودية بالصفقات التسليحية المتطورة حتى أصبحت تصنف الثانية في استيراد السلاح عالمياً، وقد أُعلن في الأيام الأخيرة عن صفقة دبابات «أبرامز» وغيرها بين الحليفتين، تجاوزت مليار دولار. بالإضافة إلى هذه المعطيات، فإن المشاركة الأميركية المباشرة والمعلنة من قبل واشنطن في الحرب تأتي من خلال تقديم المعونة الاستخبارية واللوجستية والتحديث الدائم لبنك الأهداف وتزويد الطائرات السعودية بالوقود جواً، ومشاركة عشرات المستشارين العسكريين الأميركيين والبريطانيين في غرف العمليات السعودية.
كذلك، فإن السفير الأميركي في اليمن، ماثيو تولر، ضيفٌ دائم على كل المفاوضات التي جرت بين الوفود اليمنية، وله كلمة الفصل في حسم النقاشات. ومعروف أن تولر أنذر وفد صنعاء في مفاوضات جنيف الثانية بأنه إذ لم يطلقوا سراح المعتلقين الخمسة الذين كانوا على أجندة وفد الرياض، فإن «المفاوضات ستتوقف بعد ساعة».
تتعاطى واشنطن مع آل سعود بكونهم صمام أمان لسياستها في المنطقة

تحاول واشنطن ومعها حلفاؤها الغربيون الحفاظ على وجودها المباشر وغير المباشر عبر حلفائها ودعم خيار الاستمرار بالحرب على اليمن، لما يتمتع به موقع هذا البلد من أهمية استراتيجية ولاحتوائه على ممرات مائية وجزر مطلة على المياه العميقة. وتعتبر الإدارة الأميركية أن قيام دولة قوية في صنعاء تتمتع بالاستقلال وحرية اتخاذ القرار سيؤدي حتماً إلى اضطلاعها بدور اقليمي خارج الحسابات الأميركية، حيث ستحسب تلقائياً على المحور المعادي لواشنطن ولا سيما أن الموارد البشرية والجغرافية والنفطية قادرة على إعادة التوازن للاقتصاد اليمني.
لم يكن إعلان الحرب على اليمن من قبل واشنطن على لسان السفير السعودي لديها آنذاك عادل الجبير صدفة، ولا إعلان البيت الابيض مشاركة بلاده في هذه الحرب عبر المعونة الاستخبارية والدعم اللوجستي. بالمعنى السياسي، هذا يعني أن أميركا هي من أمر ببدء الحرب، وهي من يدفعها اليوم باتجاه الاستمرار بعدما حاولت تثمير الضغط العسكري في مفاوضات الكويت وقبلها في مشاورات جنيف الأولى الثانية، ولكن من دون نجاح. وهي أيضاً من عطل المفاوضات الأخيرة مؤقتاً لإعادة تفعيل العمل العسكري في محاولة مكررة لإخضاع اليمن.
إن أي تحليل أو قراءة أو إستشراف لمستقبل المواجهة في اليمن سواء بالخيارات العسكرية أو السياسية، لا يستقيم بقراءة الموقف السعودي وحيداً برغم أهميته، من دون قراءة الموقف الاميركي. لكن الجديد في المنازلة بين اليمن وخصومه في المحور الآخر هو تفعيل المؤسسات الدستورية، وهو ما كان مفقوداً قبل مفاوضات الكويت وذلك من خلال إنشاء المجلس السياسي الأعلى وما انبثق عنه وسينبثق عنه لاحقاً، والذي يعد ثقلاً سياسياً من شأنه أن يواجه الثقل السياسي الذي كان موجوداً لدى الحلف الأميركي السعودي متمثلاً بالرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي وحكومته. الأمر الذي سوف تترتب عليه آثار ونتائج في المفاوضات المقبلة بعد فشل مرحلة الضغط العسكري الحالي.
يمكن اختصار المشهد اليمني بما يسمى «عود على بدء»، ولكن مع اختلاف في مواقف الطرفين في تحديد نظرتهما إلى القدرات الذاتية والإمكانات المتوافرة لتحقيق الأهداف. ولئن كان الجانب السعودي في مرحلة بدء الحرب واثقاً ومبالغاً في تحقيق نصر سريع وحاسم، فإنه بات يدرك اليوم بعد العودة إلى تفعيل الخيار العسكري محدودية القدرة لديه على تحقيق أي من أهدافه. والأكثر تعقيداً لدى الحلف الأميركي السعودي هو أن اليمن انتقل من مرحلة الدفاع والصمود و«الصبر الاستراتيجي» إلى الثبات والتكيف مع مجريات العمليات العسكرية ومراكمة القوة باتجاه الانتقال الى مرحلة متقدمة سوف تكشفها الأيام.