أعلنت القوات الموالية لـ"حكومة الوفاق"، أمس، السيطرة على مقر قيادة تنظيم "داعش" في "مجمع واغادوغو للمؤتمرات" وحرم جامعة سرت القريب، مشددة بذلك الخناق على التنظيم في معقله، سرت. وأكد المكتب الإعلامي لعملية "البنيان المرصوص"، التي انطلقت في شهر أيار الماضي، أنّ "مجمع قاعات واغادوغو في قبضة قواتنا"، معلناً كذلك السيطرة على "مستشفى ابن سينا" المجاور.وبينما تمثل السيطرة على المجمع انتصاراً رمزياً كبيراً، إذ يشكل المبنى الضخم معلماً رئيسياً في سرت (مسقط رأس معمر القذافي) واستخدمه التنظيم بعد استيلائه على المدينة، العام الماضي، في عقد اجتماعات، فإنّ المتحدث باسم "البنيان المرصوص"، رضا عيسى، أعلن أن "استعادة سرت ستُعلن عند تحرير المدينة بالكامل"، موضحاً أنه "ما زالت هناك الأحياء السكنية 1 و2 و3، إضافة إلى مجمع القصور على البحر" التي تعمل القوات الموالية للحكومة على بسط سيطرتها عليه.
وكانت قوات "حكومة الوفاق الوطني" (المرتكزة على قوات مدينة مصراتة) قد أعلنت يوم الأحد االماضي بدء "العد التنازلي" لإطلاق "المرحلة الاخيرة" من العملية العسكرية الهادفة إلى استعادة سرت، وذلك بالتزامن مع شن طائرات أميركية مجموعة جديدة من الغارات، بدأتها في الأول من الشهر الجاري بطلب من حكومة السراج ومن المجلس الرئاسي الذي يرأسه.
وثيقة: قوات إيطالية تقدّم الدعم اللوجستي والميداني لقوات السراج

وفي حديث إلى "الأخبار"، رأى الباحث المصري المتابع للشأن الليبي، أحمد عامر، أنّ الأنباء الواردة من سرت "غير مفاجئة"، نظراً إلى أنّ "التدخل الأميركي، والغربي، المعلن" إلى جانب حكومة فائز السراج، من شأنه إنهاء المعركة في المدينة "بشكل سريع".
وبحسب بيانات، صدر آخرها عن القيادة الأميركية في أفريقيا أول من أمس، فإنه منذ الأول من آب الجاري، شنّت الطائرات من دون طيار (التي تقلع من أماكن غير معلنة) وطائرات "AV-8B" (تقلع من حاملة طائرات "واسب") 29 ضربة جوية في سرت. ولا يتوقف الدعم الأميركي عند هذا الحد، إذ كانت صحيفة "واشنطن بوست" قد ذكرت أنّ جنوداً من الوحدات الخاصة الاميركية قدموا للمرة الأولى إسناداً مباشراً للقوات الليبية في سرت. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين، طلبوا عدم كشف أسمائهم، أن جنود الوحدات الخاصة الاميركية يعملون انطلاقاً من مركز عمليات مشترك في أطراف المدينة، وأنهم يعملون بالتنسيق مع نظرائهم البريطانيين على تحديد مواقع للضربات الجوية، ويزودون شركاءهم بالمعلومات الاستخبارية. وأتى ذلك في وقت نقلت فيه مجلة "فورين بوليسي" عن المتحدثة باسم "البنتاغون"، هنرييتا ليفين، قولها أيضاً إن "عدداً صغيراً من القوات الأميركية قد دخل إلى ليبيا وخرج منها، لتبادل معلومات مع القوات المحلية" في الأشهر الأخيرة، مضيفة أن حكومة السراج كانت قد أنشأت "غرفة عمليات مشتركة بعيداً عن الخط الأمامي للمواجهات، وذلك بهدف تسهيل التنسيق بين القوات المحاربة لداعش".
وإلى جانب القوات الأميركية والبريطانية، كشفت وثيقة صادرة عن الحكومة الإيطالية أن قوات خاصة إيطالية تشارك بالفعل في العمليات العسكرية في ليبيا، وفق ما ذكر تلفزيون إيطالي، أمس. وجاء في الوثيقة، التي بعثت بها الحكومة الإيطالية إلى لجنة الرقابة على عمل الاستخبارات في البرلمان، والمصنفة على أنها "وثيقة سرية"، أن وحدات تابعة للقوات الخاصة في الجيش "تنشط في ليبيا، استناداً إلى تشريع صدر في تشرين الثاني الماضي من قبل البرلمان، ويسمح لرئيس الوزراء بأن يأذن بمهمات عسكرية في الخارج لقوات النخبة". وفيما لم تحدد الوثيقة عدد القوات الإيطالية في ليبيا، ذكرت أن"القوات الموجودة حالياً لديها واجب التدريب والتأهيل للقوات التابعة لحكومة فائز السراج، ولا سيما في مجال نزع الألغام والتصدي لمقاتلي تنظيم داعش، وهي تأتمر بشكل مباشر لرئيس الوزراء ماتيو رينزي".
ورغم ما تُظهره الوقائع لناحية تكثيف وجود قوات غربية مختلفة في ليبيا منذ أشهر تحت سقف "دعم المجتمع الدولي لحكومة السراج"، فإنّ التدخل الأميركي الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما، بصورة مباشرة، جاء في الوقت الذي كانت تتضح فيه تناقضات حسابات الدول الغربية هناك، خاصة بعد اعتراف باريس بوجودها في بنغازي ودعمها لقوات اللواء خليفة حفتر (يزور الأردن حالياً حيث التقى الملك عبدالله)، الذي يمثّل عملياً "سلطة الشرق الليبي".
وفي النتيجة، قد يتأكد أنّ من أهداف التدخل الأميركي الأخير إعادة إمساك واشنطن مباشرة بالملف الليبي، خصوصاً أنّ مصادر عسكرية وأمنية ليبية مطلعة تحدثت أمس إلى وكالة "الأناضول"، قالت إن "القوات الفرنسية الخاصة الداعمة للقوات... التي يقودها اللواء خليفة حفتر، انسحبت من منطقة بنغازي منذ قرابة ثلاثة أيام، غير أنها لم تستبعد عودتها مرة أخرى في أي وقت". وأشارت المصادر إلى "تراجع كبير" في الأيام الماضية "لطائرات الرصد من دون طيار، والتي من المرجح أنها كانت تابعة للقوات الفرنسية"، لافتة في الوقت نفسه إلى أنّ "القوات الفرنسية الخاصة، التي يصل عددها إلى بضع عشرات، ربما تكون قد ذهبت، بعد خروجها من بنغازي، إلى قاعدة أميركية قريبة من مالطا".
(الأخبار، أ ف ب)