لم تمر سوى ساعتين على تصويت مجلس النواب على رفع الحصانة عن رئيسه سليم الجبوري بطلب «طوعي» منه، حتى أعلن القضاء العراقي الإفراج عنه وغلق الدعوى المقامة بحقه، بعد اتهامه بالفساد خلال جلسة استجواب وزير الدفاع خالد العبيدي الأسبوع الماضي. وقد أرجع القضاء قراره إلى «عدم كفاية الأدلة المتحصلة» على الرغم من تقديم العبيدي العشرات منها، إضافة إلى الأقراص المدمجة والتسجيلات الصوتية. فماذا حصل، في الوقت الذي لم يكمل فيه التحقيق أسبوعه الأول؟اليوم الذي سبق براءة الجبوري (أول من أمس الاثنين)، شهد حدثين مهمين كَثُر الجدل بشأنهما. الأول، تصريحات لرئيس ائتلاف «متحدون» (ينتمي إليه العبيدي) أسامة النجيفي بأن الجبوري لم يعد صالحاً لرئاسة البرلمان، حتى لو برّأه القضاء، الأمر الذي أوحى بأنه كان على علم بقرار براءته ووجود صفقة وتسوية مسبقة.
يعود الجبوري إلى رئاسة البرلمان الأسبوع المقبل

والحدث الثاني، كان الاجتماع الذي عقده السفير الأميركي ستيوارت جونز مع قادة «اتحاد القوى»، بحضور الأمين العام للحزب الإسلامي (ينتمي إليه الجبوري) إياد السامرائي. وقد كثرت التسريبات حوله، إلا أنها أجمعت على أنه بحث الأزمة الأخيرة التي أعقبت استجواب العبيدي، وتزامنها مع قرب تحرير الموصل ومستقبل المدينة بعد انتزاعها من سيطرة «داعش».
لكن مصدرين في «اتحاد القوى» كشفا لـ«الأخبار» أمس، عن أنّ السفير الأميركي وجّه رسائل تحذيرية للحاضرين، مفادها أن «الانقسام والتشظي الذي يشهده البيت السني، لن يكون في مصلحتهم ومستقبل مناطقهم خلال الفترة المقبلة». وأشار المصدران إلى أن جونز «هدّد بسحب تأييد الإدارة الأميركية وتعاطفها مع قضية الإقليم السني الذي أُجِّل انعقاد مؤتمره في العاصمة السعودية الرياض، حيث كان من المزمع تنظيمه بداية الشهر الحالي، وذلك بسبب أزمة استجواب العبيدي الأخيرة، بينما «تتجه الأنظار نحو أسامة النجيفي لترؤسه».
المصدران أكدا أنه جرى التوصل، بعد ذلك، إلى الإبقاء على سليم الجبوري رئيساً للبرلمان «على الأقل خلال الفترة المقبلة»، وفي الوقت ذاته يصار إلى إقالة وزير الدفاع من منصبه ومنحه منصب محافظ نينوى، بعد انتهاء عمليات التحرير. وبحسب المصدرين، فقد وافق «الحزب الإسلامي» على إقالة محافظ الأنبار صهيب الراوي الذي ينتمي إليه بالإضافة إلى إقالة محافظ نينوى الحالي سلطان العاكوب، الذي جاء خلفاً لأثيل النجيفي، بعدما أقاله البرلمان في وقت سابق.
أما بشأن مصير استجواب العبيدي، فقد كشف أحد المصدرين ــ وهو مصدر نيابي ــ عن أن رئيس كتلة «اتحاد القوى» في مجلس النواب أحمد المساري، قدم طلباً إلى النائب الثاني لرئيس البرلمان آرام شيخ محمد ــ الذي يتولى إدارة الجلسات الحالية ــ موقَّعاً من قبل نواب «الاتحاد»، ويتضمن تأجيل التصويت على مدى قناعة البرلمان بأجوبة العبيدي، خلال جلسة الاستجواب، إلى يوم الاثنين المقبل التي قد تشهد الاتفاق مبدئياً على إقالة العبيدي.
وبشأن مصير الجبوري بعد القرار القضائي، أكد الخبير القانوني طارق حرب أن قرار القضاء العراقي بالإفراج عن الجبوري لعدم كفاية الأدلة، لا يعني براءته من التهم الموجهة إليه. وأوضح حرب في حديث إلى «الأخبار»، أن «البراءة تعني أنه لا توجد أدلة أصلاً، بينما يعني الإفراج لعدم كفاية الأدلة وجودها لكنها غير كافية لإدانته، بدليل أن القانون يعطي الحق بالعودة إلى هذه الإجراءات خلال سنتين، إذا تقدم أحدهم بدليل جديد». وأكد أن الجبوري يعتبر حالياً رئيساً للبرلمان.
من جانبها، أكدت النائبة عن «التحالف الوطني» زينب السهلاني لـ«الأخبار»، أن الجبوري سيعود إلى منصبه، خلال جلسة الاثنين المقبل، «بعد استكمال الإجراءات القضائية والتحقيقية»، مشيرة إلى أنه سيمنح الثقة مجدداً كرئيسٍ لمجلس النواب.
ويرى مختصون ومراقبون أن التصدعات الأخيرة ستكون أكبر من تسوية أو صفقات لإرضاء طرف ما أو إقالة مسؤول أو وزير، ذلك أن أصل الصراع يعود إلى آب الماضي عندما قرر رئيس الحكومة حيدر العبادي إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والحكومة. وقد أدى هذا الأمر إلى خسارة كل من أسامة النجيفي لمنصبه كنائب لرئيس الجمهورية، وصالح المطلك كنائب لرئيس مجلس الوزراء.
ويحاول قادة «اتحاد القوى»، منذ أشهر عبر اجتماعات ولقاءات، إعادة تسويق أنفسهم، خصوصاً في ظل تصاعد نجم سليم الجبوري، بالتزامن مع المعلومات التي رشحت عن تخطيطه لإعلان كتلة نيابية جديدة تضم أعضاء «اتحاد القوى»، فقد كان استجواب العبيدي الشرارة التي أشعلت ذلك الصراع، ونقلته إلى العلن.