منذ انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000، واستشهاد 13 شاباً من فلسطينيي الـ48 في بداية أحداثها، شرعت سلطات العدو الإسرائيلي في صياغة مشروع «الخدمة المدنية» الرامي إلى أسرلة وتشويه الهوية الجمعيّة للفلسطينيين العامة وللمقدسيين خاصة. أمّا التنفيذ الفعلي للمشروع، فبدأ في 2006، مع انضمام عدد قليل من الشباب إليه. ومنذ 2009 حتى اليوم، انخرط في إطاره أكثر من ألفي شاب، وسط رفض الأحزاب والحركات السياسية في الداخل المحتل ودعواتها المستمرة إلى نبذ هذا المشروع، على قاعدة أن «الحقوق غير منوطة بالواجبات»، ولأن مضمونه بالأساس «مضمون تشويهي وتخريبي». و«الخدمة المدنية» هي في ظاهرها خدمة مجتمعية، يطلب فيها من المشاركين ــ على سبيل المثال ــ إعطاء دروس خصوصية لطلاب المدارس، وتقديم الخدمة في دور العجزة، وذلك بعد إغرائهم بمنحهم امتيازات معينة، مثل رواتب صغيرة تكفيهم مصروفهم الشهري، أو منح تعليمية، أو إعفاءات معينة، لكن باطن المشروع يتمثل في الاجتماعات الدورية التي يحضرها الخادمون في الأقسام التابعة لـ«سلطة الخدمة المدنية الإسرائيلية»، التي يتلقون فيها تعليمات معينة ومضامين أسرلة، توصل كلها إلى تعزيز «السيادة الإسرائيلية» في القدس المحتلة، وتحديداً في الجزء الشرقي منها.
المشروع بديل قد يكون «مقبولا» عن التجنيد الإجباري والولاء لإسرائيل

وصار المشروع يمتد ويتوسع في استهدافه الشبان المقدسيين، ووفق تقرير نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس، فإن سلطات الاحتلال تسعى جاهدة إلى ضم «شابات فلسطينيات بالأساس، وتشجيعهن على تأدية الخدمة المدنية». وفيما يُصدّر إلى الإعلام الخطاب الداعي إلى «التعايش والقدس الموحدة»، فإن الحياة اليومية تعكس واقعاً مغايراً، لأنه لا يدخل إلى شرقي القدس إلا المستوطنون والجنود الاسرائيليون الذين هم بالأساس رموز للاحتلال وللمعاداة.
كذلك تأتي «الخدمة المدنية» ضمن سعي وزير «القدس والتراث»، زئيف إلكين (من حزب «الليكود»)، إلى تشجيع انخراط الشبان الفلسطينيين في الصورة الإسرائيلية المدعاة للقدس، من دون إخفاء المصالح التي يسعى إلى تحقيقها. ووجه إلكين رسالة إلى المدير العام لـ«سلطة الخدمة المدنية»، شالوم غربي، تحمل اعتداءً واضحاً على الهوية الفلسطينية والعربية لمدينة القدس، بعدما اشترط تنفيذ هذه الخدمة بأن تبدأ مدارس «القدس الشرقية» تدريس المنهاج الإسرائيلي الذي لا يعترف بفلسطينية القدس وهويتها العربية، وبذلك يُهيأ الطلبة للخدمة في المشروع مع تقبل هذه المضامين.
وأضاف الوزير في رسالته أن «وزارة القدس والتراث تتعاون مع التربية والتعليم بهدف تحسين نوعية التعليم في القدس الشرقية، وذلك بتعزيز المنهاج الإسرائيلي في مدارسها»، مشيراً إلى أنه «بعد بحث مع بلدية القدس اتضح أن هناك حاجة إلى معلمات وطالبات أدّين خدمة وطنية (مدنية)، وسينشطن لاحقاً في تحسين نوعية التعليم لجهة غرس مضامين الأسرلة».
وينظر إليكن إلى المشروع على أنه «عامل اندماج مهم للأقلية العربية في إسرائيل عامو، وللفلسطينيين في القدس خاصة». وقال إن «انخراط الشبان الفلسطينيين في الخدمة من شأنه أن يخفض من مستوى التوتر الأمني الذي بلغ ذروته منذ اندلاع الهبة الفلسطينية في تشرين الأول الماضي». كما أن المشروع «يشجع على التشغيل المحلي ويعزز السيادة الإسرائيلية في المدينة».
في هذا الإطار، رأى الوزير الإسرائيلي أن انخراط شابات فلسطينيات في المشروع «مصلحة إسرائيلية عليا»، إضافة إلى أنه سيولي «أهمية خاصة» للمدارس التي تسمح لطلبتها باختيار المنهاج الدراسي الإسرائيلي. وشدد أيضا، على أن «هذه الخطوات من شأنها أن تبدد التوتر، وتحل الهدوء والأمن في العاصمة على المدى البعيد».
وبرغم ربط المشروع بالأحداث الأمنية التي تشهدها القدس والضفة، ذكرت «يديعوت» أن «الخدمة المدينة» في القدس المحتلة بدأ 2011، وانخرطت فيه عشر شابات، لكن المعطيات الجديدة تبين أن هناك قُرابة مئة شابة مقدسية منخرطة في المشروع، بعدما أنهين دراستهن الثانوية، وأدّين الخدمة في رياض الأطفال ومؤسسات طبية مثل «صندوق المرضى» الإسرائيلي.