كان مخططاً لاستجواب وزير الدفاع خالد العبيدي أن يكون عادياً كبقية جلسات الاستجواب التي يشهدها البرلمان في قضايا فساد، أو كالاستجواب السابق الذي خضع له العبيدي. لكن ما حدث خلال الدقائق الأولى من الاستجواب الذي جرى، أمس، فاجأ الجميع وأعاد إلى الذاكرة مشهد اقتحام البرلمان، أواخر شهر نيسان الماضي، والانقسام الحاد الذي حصل داخله بعد ذلك، وانتهى بقرار من المحكمة الاتحادية الذي أعاد الشرعية لرئيس مجلس النواب سليم الجبوري ونائبيه.في بداية الجلسة، طالب الجبوري اللجنة بالابتعاد عن الأسئلة السياسية، وتلك التي تتضمن استهدافاً شخصياً للمستجوب، وعمد إلى إلغاء السؤال الأول من قائمة الأسئلة، كونه «ذا أغراض سياسية»، وأفسح للعبيدي المجال بعدم التقيّد وذكر جميع الأسماء والملفات، وهو ما حصل فعلاً، فكان الجبوري أول المستهدفين في هذا الاستجواب.
وعلى الفور، تنازل الجبوري عن إدارة الجلسة واختار الجلوس مع النواب، فيما كلّف نائبه الثاني آرام شيخ محمد بإدارة الجلسة، بعدما أمر بتشكيل لجنة تحقيق بخصوص الاتهامات التي أوردها العبيدي، ثم أمر شيخ محمد برفع الجلسة إلى التاسع من آب، من دون الإعلان عن نتائج الاستجواب.
وبحسب تسجيل فيديو مسرّب من داخل الجلسة، قال العبيدي إن الجبوري طلب منه أن يفتح مكتباً سياسياً (من أجل الترويج لمشروع سياسي) في أربيل، مستغلاً أموال وزارة الدفاع التي تعتبر موازنتها الأكبر بين الوزارات، لكن الأخير رفض ذلك «لأن أموال الوزارة ليست أموالي حتى أتصرّف بها».
أصدر العبادي توجيهات لهيئة النزاهة بفتح تحقيق في اتهامات العبيدي

الجبوري، وفي معرض ردّه على تلك الاتهامات، أكد أنه أوعز إلى هيئة النزاهة بإقامة شكوى على ما تمّ ذكره، واصفاً ما جرى في جلسة البرلمان بأنه «مسرحية ومساس بمجلس النواب، حيث إن هناك وقائع عديدة استثمرها المستجوب في المساس بالبرلمان».
وظل وزير الدفاع (الذي ينحدر من محافظة نينوى)، منذ تسلمه منصبه في عام 2014، محطّ جدل، فقد اشتركت أطراف من «تحالف قوى العراقية» و«التحالف الوطني» في خصومته، واتهامه بملفات فساد وتقصير في ما يخص عمليات التحرير وحياة الجنود العراقيين، إضافة إلى توجيه أصابع الاتهام إلى عدد من أقاربه بالانتماء إلى «داعش»، بينهم زوج شقيقته، كما كشفت النائبة عالية نصيف التي تولّت استجوابه أمس. وكان العبيدي يشغل منصب المستشار العسكري لمحافظ نينوى أثيل النجيفي، قبل سقوط مدينة الموصل بيد «داعش» في حزيران 2014، ما جعله أحد المتهمين والمقصرين في ملف سقوط الموصل، حيث تمّ استجوابه أكثر من مرة من قبل اللجنة البرلمانية التي شكلت للتحقيق في أسباب السقوط.
ومن بين الأسماء التي اتهمها العبيدي داخل الاستجواب: حيدر الملا عضو المكتب السياسي لـ«تحالف القوى». وقال العبيدي إنه طلب منه مبلغ مليوني دولار مقابل التوسط لدى النائب حنان الفتلاوي (التي طالبت باستجوابه) للتنازل عن استجوابه. كذلك اتهم العبيدي النائب البارز عن «تحالف القوى» محمد الكربولي بصفقات فساد، في ما يخص عقود وزارة الدفاع. وأيضاً، وجّه اتهامات لغريمتيه حنان الفتلاوي وعالية نصيف بقضايا فساد تخصّ التعيينات في الوزارة.
وأكد جميع الأشخاص (وكلهم ينتمون إلى «تحالف القوى» باستثناء الفتلاوي) الذين طالتهم الاتهامات براءتهم منها، معلنين، عبر مؤتمرات صحافية وتصريحات عبر وسائل الإعلام وصفحاتهم على موقع «فايسبوك»، توجههم إلى القضاء العراقي وهيئة النزاهة للفصل والحكم في تلك الاتهامات.
وأعلنت لجنة النزاهة في البرلمان عن تشكيل لجنة لتقصّي الحقائق بشأن اتهامات العبيدي. ووجّه رئيس اللجنة طلال الزوبعي، خلال مؤتمر صحافي عقده داخل البرلمان، دعوات إلى رئاسة الجمهورية ومنظمات المجتمع المدني وخبراء في القانون للانضمام إلى اللجنة، واصفاً العبيدي بـ«الشجاع على إدلائه بتلك المعلومات الخطيرة».
وفور تسرّب الأنباء من داخل الجلسة، أصدر رئيس الوزراء حيدر العبادي توجيهات لهيئة النزاهة بفتح تحقيق في اتهامات العبيدي، مشدداً على ضرورة أن لا يكون أحد فوق القانون، في وقت أثيرت فيه تكهّنات بشأن وجود «اتفاق» بين العبيدي والعبادي على ما جرى في جلسة اليوم.
أحد المصادر المقرّبة من العبادي قال لـ«الأخبار»، لدى سؤاله عن حقيقة تلك التكهّنات، إن «العبادي يرحّب بكل عملية كشف عن الفساد والمفسدين، وهذا يتناسب مع مشروعه لمكافحة وملاحقة الفاسدين». وأشار إلى أن ما جرى، أمس، «سيفتح الباب على مصراعيه لملاحقة بعض السياسيين، ويسقط منهم حجة الاستهداف السياسي والطائفي في حال أخضعوا للمساءلة».
وقريباً ممّا ذهب إليه المصدر، رأى رئيس التفكير السياسي العراقي إحسان الشمري أن العبيدي استثمر دعوات العبادي والمرجعية الدينية وضغط الشارع ليتحوّل من وزير مدافع عن نفسه إلى وزير مهاجم، يكشف للرأي مدى الضغوط التي يتعرّض لها وزراء للعبث بالمال العام.
وأشار الشمري، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن ما جرى في البرلمان، أمس، «يؤشّر إلى صراع داخل (تحالف القوى) بشأن مناصب وامتيازات أدت إلى تراشق اتهامات بين أعضائه من جهة، ومن جهة أخرى صراع ما بين الوزير وبعض أعضاء جبهة الإصلاح (المعارضة للجبوري والعبادي)، والتي بدت محرجة من اتهامات العبيدي لبعض أعضائها بالفساد (عالية نصيف، حنان الفتلاوي)».