لم تكن الجولات التفاوضية بين الأطراف اليمنية إلا انعكاساً واضحاً لنبض الميدان والعمليات العسكرية. في كل مرة كانت قوات التحالف السعودي تعمد فيها إلى تسعير الجبهات والحشد فيها بغية إحداث خروق لتوظيفها على طاولة المحادثات. في مفاوضات جنيف الأولى والثانية، حشدت القوات الإماراتية والقوات الموالية للرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي لـ«تحرير تعز» باعتبارها مفتاحاً للسيطرة على صنعاء. وفي كلتا المرحلتين، فشلت الهجمات على تعز وفشل معها التوظيف السياسي واستثمارها في جنيف. وقبل الدخول في محادثات الكويت، كانت القوات السعودية وحلفاؤها قد شنوا ما يقرب من 30 هجوماً عسكرياً كبيراً على مدينة ميدي الصغيرة التي تبعد عن الحدود الصحراوية بين اليمن والسعودية 30 كلم، إلا أن كل هذه الهجمات فشلت في إسقاط مدينة ميدي.وأثناء الجولة الثانية من محادثات الكويت، شنت السعودية والمجموعات المسلحة الموالية لها هجوماً على منفذ حرض الحدودي بمؤازرة كثيفة من طيرانها،غير أن القوات اليمنية، صدّت الهجوم وأوقعت خسائر كبيرة في صفوف المهاجمين، إضافة إلى هجمات متعددة على نهم ومأرب شرقي صنعاء، ولم يكن بإمكان وفد الرياض الاستفادة منه عملياً على طاولة الحوار.
في المسار السياسي، استمرت المفاوضات في الكويت أكثر من ثلاثة أشهر ولا تزال على حالها من المرواغة، على الرغم من إعلان وفد الرياض الانسحاب التي تبعتها محاولات دولية لإنقاذ المشاورات. وفي الجولتين الأخيرتين في الكويت، عاد الأطراف إلى المربع الأول، وبرغم عدم تحقيق السعودية وحلفائها أي إنجاز على الأرض، كان وفد الرياض يرفع سقف مطالبه مصرّاً على سحب السلاح الثقيل من «أنصار الله» وانسحابهم من المدن، ويرفض المشروع السياسي وتشكيل مجلس رئاسي أو حكومة وفاقية تجمع الأطراف كافة وتشرف على تنفيذ الخطة الأمنية.
وفي هذا الإطار جاء الاتفاق بين «أنصار الله» و«المؤتمر الشعبي العام» وحلفائهما على تشكيل «مجلس سياسي أعلى» مكوناً من عشرة أعضاء بهدف توحيد الجهود لمواجهة العدوان السعودي وحلفائه، ولإدارة شؤون الدولة في البلاد سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً وغير ذلك وفقاً للدستور.
الخطوة اليمنية بالإعلان عن المجلس السياسي أتت في توقيت مدورس وموفق بعد إعلان فشل المفاوضات من قبل أمير الكويت نفسه الذي تستضيف بلاده المحادثات. ويأتي الإعلان عن الاتفاق في سياق تصعيد سياسي من الجانب اليمني، رداً على إفشال المفاوضات وانسداد الافق السياسي والتزمت السعودي برفض أي صيغة توافقية وفي ظلّ إصرار الرياض بعدم القبول بالحلول الوسط.
ولا شك أن الإعلان عن تشكيل المجلس السياسي الأعلى فاجأ الجانب السعودي باعتباره خطوة سياسية لا تقل أهمية عن الصمود الميداني والرسائل العسكرية الحدودية، التي سبقت الإعلان السياسي؛ غير أن السعودية، كعادتها، لم تدرك أن مرحلة خروقها العسكرية وتعنتها السياسي لن تستمر من دون أن يطاولها الرد. لذا، جاءت مفاعيل هذه الخطوة سريعة في وسائل الإعلام السعودي والخليجي، الذي توعد بعضه بـ«تدمير صنعاء» وتحميل المكونات الوطنية اليمنية المسؤولية عن ذلك. كذلك، فإن الإعلان الصادر في صنعاء يقطع الطريق على الرهانات الخاطئة التي ابتدأت منذ بداية الحرب بشق الصفوف الوطنية وبث الفرقة بين مكونات الشعب. لن يلغي تشكيل المجلس السياسي الأعلى المسار التفاوضي، بل سيضيف إلى جعبة وفد صنعاء ورقة قوة، لا يستطيع الطرف الآخر تجاوزها. وكان المتحدث باسم «أنصار الله» محمد عبد السلام، قد أكد أن الاتفاق لن يؤثر في النقاشات في الكويت، مضيفاً أنه إذا توافقت الأطراف اليمنية على أي حل سياسي «سنكون وكل حلفائنا في طليعة من يتبنى ذلك ويتحرك في إطاره ويدعم تنفيذه».