منذ نيسان الماضي، عاد الدور الأميركي المباشر في اليمن إلى الواجهة من جديد، بعدما عمدت واشنطن إلى توظيف الأحداث الجارية في هذا البلد، لتعزيز وجودها العسكري تحت عنوان «مكافحة الإرهاب»، وذلك بعد أكثر من عام على سحب قواتها الخاصة من قاعدة العند العسكرية ومن السفارة الأميركية في صنعاء.وقد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، منتصف حزيران الماضي، أن وجود مجموعات من قواتها البرّية لمساعدة قوات «التحالف» في قاعدة العند، لم يكن سوى تمهيد لتحويل تلك القاعدة السوفياتية سابقاً إلى قاعدة أميركية من جديد. وقبل أيام قليلة، أكد الجنرال الأميركي جوزيف فوتيل الذي يشرف على قوات بلاده في المنطقة، أن واشنطن «تدرس زيادة وجوده في اليمن للتصدي بشكل أفضل لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب»، استناداً إلى ما وصفه بـ«الزخم الموجه ضد التنظيم». وأشار في حديثٍ إلى وكالة «رويترز» إلى أن مجموعة متنوعة من المواقع المحتملة قد تكون ملائمة لنشر القوات الأميركية، من دون أن يحدد هذه المواقع.
وجاءت تصريحات فوتيل بعد نحو شهر من تأكيد مسؤولين أميركيين لصحيفة «واشنطن بوست» اعتزام الجيش الأميركي تمديد مهمة قوات العمليات الخاصة التي نُشرت في نيسان الماضي إلى أجل غير مسمّى. ووفقاً للصحيفة الأميركية، أرسل البنتاغون، الشهر الماضي، فريقاً آخر من العمليات الخاصة إلى اليمن في مهمة منفصلة «لتقويم الأمن وإيجاد مواطنين محليين للتعاون مع الولايات المتحدة». وكانت واشنطن قد أعادت نشر قرابة 150 عنصراً من قوات «المارينز» في قاعدة العند العسكرية جنوبي اليمن، تستخدمها قوات إماراتية كمركز تدريب عسكري منذ نحو عام. وفيما لم يشر الجنرال الأميركي إلى المواقع الجديدة المفترض تحويلها إلى قواعد عسكرية، تبحث الولايات المتحدة عن موطئ قدم لها في جزيرة سقطرى وفي جزر أخرى في باب المندب.
وتزامنت تصريحات فوتيل مع تصاعد الهجمات التي شنها الطيران الأميركي من دون طيار ضد مواقع مفترضة لـ«القاعدة» في محافظات شبوة ومأرب وحضرموت في الآونة الأخيرة. ومن جهته، صعّد تنظيم «القاعدة» عملياته في تلك الفترة في محافظتي عدن وحضرموت، مستهدفاً مقارّ عسكرية تابعة للقوات المشتركة التي يقودها التحالف السعودي.
ويعود الوجود العسكري الأميركي في اليمن إلى أكثر من عشر سنوات، بموجب استراتيجية «مكافحة الإرهاب». أما المساعي الأميركية المتجددة لتعزيز وجود قواتها في اليمن، فقد أثار موجة استياء عارمة، إذ اعتبره عدد من الأوساط السياسية «احتلالاً جديداً» من بوابة «مكافحة القاعدة» وبضوء أخضر من الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي الذي فتح الأراضي اليمنية للقوات الأميركية منذ وصوله إلى السلطة عام 2012. وسمح هادي في حينه للسفارة الأميركية في صنعاء في شهر آب من العام نفسه باستقدام 150 عنصراً من عناصر «المارينز» تحت مبرر حمايتها، ثم سمح بعد عام بمشاركة قوات أميركية في عمليات الجيش اليمني ضد تنظيم «القاعدة» في محافظة أبين وتحويل قاعدة العند إلى قاعدة أميركية. وفيما تعرض هادي لموجة انتقادات حادة من قبل بعض الأحزاب على خلفية هذا السماح، دافع الرئيس المستقيل عن الوجود الأميركي في العام نفسه، في خلال كلمة ألقاها أمام طلاب الكلية الحربية في صنعاء، معتبراً الوجود الأميركي في اليمن «يمليه اتفاق الشراكة بين اليمن وأميركا في مجال مكافحة الإرهاب».
وفي السياق، اتسع نطاق الهجمات التي نفذتها الطائرات الأميركية من دون طيار خلال عهد هادي إلى 11 محافظة، وهو ما عكس تمدد «القاعدة» كرد فعل على تنامي العمليات الأميركية ضد التنظيم، بالإضافة إلى تصاعد العمليات الانتقامية للتنظيم المتطرف ضد الحكومة. ومعظم تلك العمليات، وقف وراءها عناصر سعوديون كعملية اقتحام مجمع وزارة الدفاع في منطقة العرضي عام 2013، التي أودت بحياة 60 طبيباً ومريضاً في مستشفى العرضي.
ووفق تقارير حقوقية، شنت الطائرات الأميركية من دون طيار أكثر من 33 غارة عام 2013 وسببت مقتل أكثر من 150 شخصاً معظمهم من المدنيين. وعلى الرغم من بدء العمليات الأميركية ضد «القاعدة» عقب هجمات 11 من أيلول، اتسمت تلك العمليات بالمحدودية، إذ تشير التقارير الغربية إلى أن إجمالي الغارات التي نفذتها طائرات أميركية من دون طيار منذ تشرين الثاني 2002 وحتى آذار 2014، راوحت ما بين 169 و259 عملية.
وفي هذا الوقت، نشر تنظيم «القاعدة» فيلماً تسجيلياً على موقع «يوتيوب»، كشف فيه عن معسكر تدريبي جديد لعناصره، يعتقد أنه يقع في إحدى المناطق الحدودية الواقعة بين محافظتي أبين وشبوة التي انسحب إليها التنظيم المتشدد بقيادة القيادي في التنظيم خالد باطرفي. الأخير قال في الشريط إن معسكر «جلال بلعيدي» (زعيم التنظيم الذي قتل في غارة أميركية) الذي ظهر فيه العشرات من عناصر التنظيم يتدربون على مختلف أنواع الأسلحة وعلى مهارات قتالية، يُعدّ امتداداً للمعسكرات في أفغانستان منذ الثمانينيات، ويقوم بمهمة تدريب الآلاف من العناصر وتعزيز مختلف الجبهات بـ«المجاهدين»، على حدّ تعبيره.