انتهت القطيعة بين تركيا وإسرائيل بتطبيع العلاقات على أعلى المستويات، بعدما استبدلت الحكومة التركية بشرط رفع الحصار عن غزة إرسال آلاف الأطنان من المساعدات إلى القطاع، لكن عبر ميناء أسدود وليس عبر الميناء أو المطار اللذين بشرت بهما أنقرة سابقاً. ولم تَعد الحكومة التركية، غزة، بعد إرسالها سفينة المساعدات «ليدي ليلى»، بغير التدخل لحل مشكلة الكهرباء ومياه الشرب. فبعد وصول آلاف الأطنان من حفاضات «بامبرز» وألعاب الأطفال والمواد الغذائية عشية عيد الفطر، وصل وفد من سلطة الطاقة التركية إلى غزة لبحث الحلول الممكنة لمعالجة مشكلة الكهرباء التي ازدادت تعقيداً منذ سيطرة حركة «حماس» على القطاع عام 2007. الوفد، الذي ترأسه سفير تركيا لدى السلطة الفلسطينية، مصطفى بيه، اجتمع على مدار اليومين الماضيين مع سلطة الطاقة في رام الله برفقة سبعة خبراء ومسؤولين من سلطة الطاقة التركية، وذلك لمناقشة عدد من المشاريع الاستراتيجية التي «ستشكل حلاً منطقياً لأزمة الكهرباء في القطاع»، وفق ما أكده وكيل سلطة الطاقة والموارد الطبيعية في حكومة الوفاق، عبد الكريم عابدين. وأوضح عابدين، في حديث إلى «الأخبار»، أن أبرز المشاريع التي نوقشت «خط (161) الذي يمدّ غزة بالكهرباء من إسرائيل».
وناقش الوفد إمكانية جعل محطة غزة لإنتاج الكهرباء تعمل على الغاز الطبيعي عوضاً عن السولار الصناعي المرتفع الثمن، تمهيداً لمدّ القطاع بخط غاز إسرائيلي، وكذلك إمكانية توسعة قدرات المحطة لتصل إلى إنتاج 280 ميغاواط كمرحلة ثانية. يضيف عابدين: «نوقش مشروع الربط الكهربائي مع جمهورية مصر العربية وقطاع غزة، الذي سيزود القطاع بنحو 150 ميغاواط، إضافةً الى مناقشة مشروع تركيب خلايا شمسية على أسطح المنازل والمباني الحكومية».
أصداء الزيارة التركية بدت فاترة وسط ترحيب وحيد من «حماس»

ويحتاج قطاع غزة إلى 450 ميغاواط من الكهرباء يومياً، فيما لا يتجاوز مجموع ما يصله 200، ما يعني أن معدل العجز يفوق 45%، هذا إذا شُغّلت محطة توليد الكهرباء الوحيدة بكامل طاقتها، وفق تقرير أصدرته «سلطة الطاقة» في غزة. وتُغطى حاجة القطاع بالكهرباء من ثلاث جهات، يشكل الخط الإسرائيلي فيها ركيزة أساسية، وهو يمدّها بـ120 ميغاواط، فيما يزوّد الخط المصري المحافظات الجنوبية بـ32 ميغاواط، وتتكفّل محطة التوليد (إذا عملت مولداتها الأربعة) بتوفير 60 ميغاواط.
الوفد التركي، الذي وصل إلى غزة، زار محطة توليد الكهرباء، وسمع من مسؤولي «سلطة الطاقة» عن احتياجات القطاع وسبل الدعم اللازم للخروج من الأزمة، لكن عابدين أكد أن الوفد سيلتقي مسؤولين إسرائيليين لمناقشة المشاريع التي يمكن بها حل أزمة كهرباء غزة بالكامل، على أن يعود إلى رام الله مجدداً للبحث مع رئيس سلطة الطاقة، عمر كتانة، نتائج الزيارة، من أجل «تبني بعض المشاريع الاستراتيجية لحل مشكلة الكهرباء».
رغم التفاؤل الذي تعيشه الجهات المسؤولة عن ملف الكهرباء هذه المرة، فإن أصداء الزيارة التركية على القطاع بدت فاترة، بعد موجة الجدل التي رافقت توقيع المصالحة التركية ــ الإسرائيلية، خصوصاً أن التصريحات التركية التي أكدت اشتراط رفع الحصار عن غزة مثلت قشة تعلق بها مليونا إنسان في غزة. وبخلاف حركة «حماس»، أدانت التنظيمات الفلسطينية الخطوة التركية واعتبرتها انتصاراً إسرائيلياً، لكن «سلطة الطاقة»، التي تديرها «حماس» في غزة، لم تنسَ أن توجه الشكر إلى الحكومة التركية أيضاً.
إلى ذلك، سمح الجانب الإسرائيلي ظهر أمس، وذلك للمرة الأولى، بدخول عدد من سيارات الشحن عبر معبر «بيت حانون ــ إيريز» الخاص بتنفل الأفراد. وكانت إسرائيل تمنع دخول هذا النوع من السيارات منذ عام 2007. وقد أعلنت وزارة الشؤون المدنية أخيراً أنّ معبر «بيت حانون» سيُستخدَم لإدخال بعض أنواع الشاحنات والأجهزة الكهربائية، لكن محمد المقادمة، وهو المنسق الإعلامي في وزارة الشؤون المدنية، نفى في حديث إلى «الأخبار»، ما جرى تداوله بخصوص إنشاء معبر تجاري غرب «إيريز»، مؤكداً أنه لم تصل وزارتَه معلومات عن اتفاق كهذا.




التفاهم السياسي يجمع الأطراف المختلفة والمتعادية

من وجهة نظر سياسية، فإن زيارة إسرائيل لا بد أن تكون إحدى الأوراق الثابتة في أي حراك تركي تجاه غزة، لأن التفاهم الإسرائيلي ــ التركي لا يعطي لأنقرة اليد المطلقة في تنفيذ المشاريع. وكما جرت العادة خاصة في التجربة القطرية، يرى المحلل السياسي طلال عوكل أن الرجوع إلى إسرائيل بعد أي خطوة «واجب»، كي تصل الضمانات الكاملة للأخيرة بأن التعاطي التركي يجري وفق بنود الاتفاق أولاً، ثم من طريق السلطة الفلسطينية في رام الله ثانياً، بوصفها الجهة الشرعية الوحيدة المخولة التعامل مع أطراف خارجية. هذا الأمر أكده الجدل الذي دار حول الجهة المخولة تسلّم وتوزيع شحنة المساعدات التي حملتها سفينة «ليدي ليلي»، وصارت إلى تولّي «جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني»، المرخصة من حكومة الوفاق، مهمة التسلّم والتوزيع بإشراف وفد تركي رفيع المستوى، وذلك بعدما أعلن أن وزارة الشؤون الاجتماعية التابعة لـ«حماس» هي التي ستتولى المهمة.