في السابع عشر من الشهر الجاري، استيقظت مصر على خبر تنفيذ حكم الإعدام بحق ستة متهمين في قضية عُرفت إعلامياً باسم «خلية عرب شركس الإرهابية»، بعدما وجهت إليهم محكمة عسكرية اتهامات بتفيذ هجوم مسلح استهدف حافلة نقل جنود من الجيش إلى القاهرة، قتل فيه ستة من جنود الجيش، واتُّهموا أيضاً بقتل خبيري مفرقعات أثناء محاولتهما إبطال متفجرات كان المتهمون قد زرعوها في المخزن الذي ألقي القبض عليهم فيه، داخل عزبة عرب شركس في محافظة القليوبية، شمال العاصمة.
فور إعلان المحكمة تأييد حكم الإعدام على المتهمين في 24 آذار الفائت، بدأ عدد من النشطاء المستقلين في تدشين حملة لجمع التوقيعات لوقف تنفيذ الحكم، وتضمنت العريضة أسباب مطالبتهم بوقف الحكم، إذ أشارت إلى أن الإعدام لا يمكن الرجعة فيه إذا ما ثبت لاحقاً أن هناك ظلماً قد وقع على المتهم، وتحديداً في قضية عرب شركس التي تقدمت فيها أسرتا اثنين من المتهمين ببلاغات عديدة إلى النائب العام، تفيد بالقبض على أبنائهم قبل ثلاثة أشهر من تاريخ وقوع الحوادث المتهمين فيه، وكذلك من ضمن المتهمين طالب في الثانوية عمره 19 عاماً، وهو أصغر متهم يُنفَّذ الحكم عليه بالإعدام.
لاقت الحملة رواجاً في أوساط الحقوقيين والنشطاء السياسيين، لكن ذلك لم يمنع تنفيذ الحكم بصورة مفاجئة ومن دون إخبار ذوي المتهمين أو السماح لهم برؤيتهم، وأيضاً قبل انتهاء إجراءات التقاضي، إذ تقدم محامي المتهمين بطلب لإعادة فتح باب المرافعة في دعوى تطالب الرئيس بوقف التصديق على أحكام إعدام المتهمين لأنهم مدنيون جرت محاكمتهم أمام محكمة عسكرية، وكان من المقرر عقد جلسة للنظر في هذه الدعوى خلال الثاني من الشهر المقبل!
هذا كله دفع مجموعة الناشطين التي تبنت الحملة وتعمل حالياً تحت اسم مجموعة «ضد الإعدام»، إلى إصدار بيان تطالب فيه كل أجهزة الدولة والمجتمع باتخاذ إجراءات لتعليق عقوبة الإعدام لمدة لا تقل عن خمس سنوات عن كل المتهمين السياسيين والجنائيين، بسبب خضوع القضاة للنظام السياسي الحالي وإصدارهم «أحكام مُسيَّسة وثأرية تفتقر إلى العدالة»، وفق وصف البيان.
ولا يوجد حصر دقيق لعدد أحكام الإعدام الصادرة في العامين الأخيرين، لكنّ تقريراً لمنظمة العفو الدولية أكد أن مصر تأتي في المرتبة الثانية بعد نيجيريا من بين الدول التي أصدرت عقوبة الإعدام، إذ أصدرت المحاكم فيها ما لا يقل عن 509 أحكام بالإعدام في غضون عام 2014، وذلك بزيادة تقدَّر بنحو 400 حكم مقارنة بعدد الأحكام المُسجَّل خلال 2013.
المطلب بتعليق الإعدامات تبناه عضوا المجلس القومي لحقوق الإنسان جورج إسحاق وعبد الغفار شكر، وذلك على شكل مقترح تقدما به إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفيه مطالبة بتعليق العقوبة لثلاث سنوات يكون فيها فرصة للأطراف السياسية ولإعطائها مزيداً من الوقت لتهدئة الأوضاع.
تصريحات عضوي المجلس والمقترح الذي تقدما به تنبئ بأن المجلس بدأ أخيراً في بلورة موقفه من تلك العقوبة، إذ التزم الصمت طوال المدة التي عملت فيها الحملة لجمع التوقيعات، بل كانت تصدر تصريحات عن بعض أعضائه تقول إن المطالبة بوقف تنفيذ الإعدام لا تناسب الوقت الحالي، وخاصة أن القاهرة رفضت التوصيات التي وُجهت إليها من الأمم المتحدة في تشرين الثاني بشأن إعادة النظر في الإعدام بعد استخدام هذه العقوبة بحق معارضين للنظام.
أستاذة علم الإنسانيات في الجامعة الأميركية في القاهرة وأحد مؤسسي مجموعة «ضد الإعدام»، ريم سعد، قالت إن «مقترح وقف الإعدام بات مطروحاً للنقاش في المجتمع الآن، رغم أننا نعاني صعوبة في إيصال الفكرة وسط حالة الاستقطاب السياسي الشديد التي تسيطر على البلد، ولكن هذا يعطي أملاً في إنقاذ مزيد من الأرواح». وأضافت سعد: «المطالبة بالتريث لمهلة والتدقيق في إجراءات سير المحاكمات التي قد تودي بحياة أشخاص في مجتمع اعتاد الشحن ومحاكمة أفراده وإطلاق الأحكام عليهم قبل مثولهم أمام قاضيهم الطبيعي، كلها عوامل تجعل من مهمة من يطلبون ذلك صعبة للغاية، وتزاد الصعوبة في القضايا التي يجري فيها الشحن الإعلامي ضد المتهمين فيها، تماماً مثل ما حدث في قضية عرب شركس».