المقابلة التي بثّتها قناة «الجزيرة» أمس مع زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني، جاءت لتؤكّد سعي «النصرة» إلى الخروج بمظهر «متوازن» و«معتدل»، وفق استراتيجية بدأت في تطبيقها أخيراً تقوم على تأجيل بسط القبضة الحديدية إلى ما بعد «التمكين». ولم يكن كلام الجولاني بحاجة إلى تمحيص كبير للخروج بنتيجة مفادُها أنه كان أقرب إلى «حفلة تلميع» باهتة، خاصة في ظل اشتمال حديثه على نقاط كثيرة تناقض سلوكيّات «النصرة» على الأرض.
أبرز ما جاء في المقابلة كان ما لم يُقل فيها على نحو صريح، بل جاء أشبه برسائل بين السطور موجّهة إلى أطراف عدّة. على رأس تلك الرسائل ينبغي التوقّف عند ما وُجّه منها إلى «الحلفاء»، ولا سيّما شركاء «النصرة» في «جيش الفتح». الجولاني أكّد أن «الفتح» هو «غرفة عمليات تقرّرت تسميتها جيش الفتح»، وهو «قائم على الشورى لا يوجد فصيل واحد يقوده». وأشار في الوقت نفسه إلى أنّ أحداً «لا يستطيع إخراجنا من جيش الفتح. جبهة النصرة ليست عنصراً هامشيّاً في الساحة، (...) هي رأس حربة، والجميع يعلم ذلك». ومن بوّابة «انتقاد تلقي الدعم الخارجي» ترك الجولاني الباب مفتوحاً أمام صراعات قد تنشب مستقبلاً بين «النصرة» وفصائل أخرى «ستكون مسلوبة الإرادة بسبب الدعم الخارجي. (...) الدعم خطورة على الساحة. فالخارج لا يهتم إلا بمصالحه». وأضاف: «سنمر بمراحل أصعب بكثير مما مر بنا». وفي إشارة خفيّة إلى «استلاب قرار الفصائل» أكّد الجولاني أنّ «الحاجة تكون ملحّة إلى فتح جبهة حلب، فيأتي الداعمون للفصائل ويعطونهم الأموال ويقولون لهم توجهوا إلى حمص، ليتفرغوا لإدارة شؤون حلب». كذلك حرص في الوقت نفسه على إنكار تلقّي «الجبهة» أي دعم خارجي: «نحن أبينا أن نجلس جلسة واحدة مع جهة استخباراتية أو نقبل شيئاً منهم...». في الوقت نفسه، بدا لافتاً أن زعيم «النصرة» لم يهاجم «الإخوة الأعداء» في تنظيم «الدولة الإسلاميّة». وحتّى حين تحدّث عن استغلال التنظيم انشغال «النصرة» في المعارك مع الجيش السوري لشن هجمات ضدّه، اكتفى بالحديث عن «احتمال أن يكون ذلك نابعاً من استراتيجية يتبعها التنظيم لاستغلال انشغالنا بالمعارك». وأضاف: «ربما كانوا يرون أن هذا التقاء مصالح. (...) استغلوا هجوم النظام علينا في أكثر من مكان. هذه سياسة يتبعونها».

المعركة مع حزب الله
قادمة لا محالة، ولو أخذ
الحزب القلمون

في الوقت نفسه، وضع الجولاني حدّاً لكل ما قيل عن «فك الارتباط» بتنظيم «القاعدة». ورغم أنه لم يذكر ذلك مباشرة، لكنّه حرص على تأكيد أن «النصرة» تعمل وفق «التوجيهات التي تأتينا من الدكتور أيمن (الظواهري، زعيم القاعدة)». وضمن هذا السياق، وجّه الجولاني ما بدا «رسائل تطمين» إلى الغرب، حيث أكّد أن توجيهات الظواهري «أن النصرة مهمتها إسقاط النظام ورموزه وحلفائه. والتفاهم مع الفصائل لإقامة حكم إسلامي راشد». وأضاف: «جاءتنا إرشادات بعدم استخدام الشام لشن عمليات ضد الغرب». وفي تهديد واضح أشار إلى أن «الخيارات مفتوحة إذا استمرّ قصف التحالف. (...) إذا استمر الوضع هكذا فهذا ليس في مصلحة الغرب». واتهم «أمير النصرة» الولايات المتحدة بـ«النفاق ومساندة النظام»، مؤكداً امتلاكه «توثيقاً مصوّراً» لهذه الاتهامات (في معرض حديثه عن «تلاقي طائرات التحالف مع طائرات الجيش في السماء السورية). في الوقت نفسه حظي حزب الله بحيّز كبير من اهتمام الجولاني ومحاوره. وأكد أنّ الحرب موجّهة في الدرجة الأولى ضد «نظام الأسد، وحزب الله. (...) زوال (الرئيس السوري) بشار الأسد يعني زوال حزب الله». وخلافاً لمعظم ما دأبت المجموعات المسلحة ورعاتها على تأكيده من أن «تدخل حزب الله في الحرب أدّى إلى منع سقوط النظام» أكّد الجولاني أنّ «النظام ليس هزيلاً، هو عدو شرس ولديه إمكانات كبيرة»، مضيفاً أنّ «زوال النظام يعني زوال حزب الله (...) الذي لن يصمد طويلاً في حال سقوط داعمه، فللحزب خصوم كثر في لبنان وبزوال الأسد سيعلو صوت الخصوم». وفي ما بدا أشبه بطلب العون، طالب الجولاني خصوم الحزب السياسيين في لبنان بـ«التحرك والمعاونة في العمل على إسقاط النظام السوري». كذلك، حرص اللقاء على تشريح سوريا طائفيّاً، حيثُ اشتمل على فقرات مخصّصة لمعظم طوائفها كلّ على حدة. وحاول توجيه رسائل تطمين إلى معظمها، فـ«نحن لا نقاتل إلا من يرفع علينا السلاح. (...) العلويون تورطوا. حربنا ليست طائفية رغم أنهم ليسوا طائفة من أهل الإسلام». وحرص على استخدام عبارة «ما زلنا في مرحلة دفع الصائل»، تاركاً الباب مفتوحاً أمام فصول مستقبليّة. ورغم أن الجولاني لم يُنكر ممارسات «النصرة» ضد الطائفة الدرزية في قرى إدلب، لكنّه حاول التسويق للأمر على أنه دليل على تسامح «النصرة». فقال: «هناك قرى درزية لم تقاتلنا ونحن لم نقاتلها رغم أنها موجودة في المناطق المحررة. (...) فقط أرسلنا إليهم من يصحح عقائدهم». وفي شأن أبناء الطوائف المسيحية رأى أن «النصارى أغلبهم في صف النظام، (...) لو أردنا أن نقيم فسيخضعون، القادر يدفع الجزية». وخصّ زعيم فرع «القاعدة» في سوريا أبناء الطائفة الشيعيّة بحكم «هدر دم» حيث أكّد أن «القرى الشيعية المحاصرة كانت وما زالت ثكنات عسكرية، هي قرى محاربة... كانت وما زالت». علاوة على ذلك، ثمة نقاط بارزة تناولها الجولاني، ومنها التأكيد أن معركة دمشق مفصليّة، فـ«المعركة لا تنتهي في القرداحة... حسم المعركة ينتهي في دمشق»، وأنه «ليس هناك جماعة اسمها خراسان، هذه كذبة اخترعها الغرب». ورأى أن «المعركة في نهايتها، سقوط النظام ليس بعيداً»، وأن «المعركة مع حزب الله قادمة لا محالة، ولو أخذ الحزب القلمون».