يطرق الإرهاب مجدداً بقوة البوابة الأردنية، مع استمرار الاعتقاد الرسمي أن بإمكان عمّان التذبذب في لعبة التوازنات، كسبيل لمنع وصول النيران المحتدمة من حول المملكة. لكن تبيّن أن أي طرف من مشعلي النار يمكنه العبث بالساحة الأردنية إذا أراد. عشرات الآلاف من الإرهابيين أقاموا «إماراتهم» بالقرب من «مملكة الأمن والأمان»، وبينهم المئات من الأردنيين الذين سُهِّل دخولهم لـ«الجهاد» في المحرقة السورية، من دون موقف واضح من الإرهاب التكفيري، بل أحياناً يجري اللعب بورقته في وجه الخصوم، وضمن سياسة المحاور... على الطريقة الأميركية في المنطقة.عقب الهجوم على مقرّ المخابرات الأردنية على أطراف مخيم البقعة، قبل أقل من شهر (أودى بحياة 5 عناصر أمن)، توقع المحللون مزيداً من العمليات، لكن ليس على الحدود، بل في الداخل، فيما ذهب آخرون إلى أن الضغط على تنظيم «داعش»، قد يدفعه إلى تنفيذ ضربات في أماكن حساسة، وذلك بعد انحسار قوته في الرقة، وقبلها في تدمر وحلب، بالتوازي مع تقدم الجيش العراقي باتجاه الفلوجة. واستند هؤلاء إلى أن ضرب أماكن جديدة يزيد في «الشحن المعنوي» لدى أنصار التنظيم ويخفف الضغط في أماكن الصراع الرئيسية، ولا شك في أن الأردن إحدى المحطات الملائمة لذلك.
أول من أمس، استيقظ الأردنيون على حادثة أمنية هي الأولى من نوعها وطريقتها في البلاد أدت إلى مقتل ستة عسكريين على الأقل، وإصابة 14 آخرين، في هجوم استهدف موقعاً عسكرياً يقدم الخدمة للاجئين السوريين في منطقة الرقبان (على الحدود الشمالية الشرقية)، وما لبث أن أعلن أمس مقتل جندي سابع، وقد ترافق ذلك مع إعلان عمّان وقفها رسمياً استقبال اللاجئين السوريين.
تحدث مصدر حكومي إلى «الأخبار»، قائلاً إن الجيش سيعتبر أي تحركات للآليات والأفراد ضمن المناطق المذكورة، ودون تنسيق مسبق، أهدافاً معادية، وسيتعامل معها بكل «حزم وقوة ودون تهاون»، كذلك اتخذ قراراً حازماً بشأن إغلاق الحدود أمام اللاجئين، من دون أن يشرح أن هذا الأمر سيشمل أيضاً المسلحين الذين يخرجون من المملكة إلى سوريا.
وتؤوي منطقة الرقبان، التي وقع الهجوم فيها، أكثر من 60 ألف لاجئ، غالبيتهم قدموا من مناطق تحت سيطرة «داعش»، كما تقول الحكومة الأردنية، مضيفة أنهم يخضعون لإجراءات مشددة قبل دخولهم أراضيها. وقال المتحدث باسم الحكومة، محمد المومني، قبل أشهر، إن «معلومات الأجهزة الأمنية تؤكد تسلل الإرهابيين بين جموعهم» أي لاجئي الرقبان.
وجلّ الخبراء الأمنيين في البلاد بما فيهم وزير الداخلية، سلامة حماد، يرجحون مسؤولية «داعش» عن الهجوم، فيما وصل الحد بسياسيين إسلاميين إلى اتهام إيران والنظام السوري بالوقوف خلف الحادث.
وكان قائد حرس الحدود الأردني، العميد صابر المهايرة، قد قال الشهر الماضي، إن «مخيم الرقبان على الحدود بين سوريا والأردن يحوي عناصر يعملون لحساب داعش»، لكنه أشار إلى أنهم لا يشكلون خطراً على أمن الأردن، وإذا شكلوا خطراً، سيجري التعامل معهم.
عموماً، ثمة أسباب داعشية كثيرة قد تدفع التنظيم إلى الانتقام من الأردن، منها «وجود المملكة في التحالف الدولي ضد التنظيم، فضلاً عن توجيه التنظيم عدداً من التهديدات المصورة التي ظهر فيها عناصر أردنيون انضموا إليه». آخر هذه التهديدات كانت قد صدرت على لسان محمد الضلاعين، وهو نجل النائب السابق في البرلمان الأردني مازن الضلاعين، الذي انضم إلى «داعش» في العراق بعد تركه مقعده الدراسي في كلية الطب في جامعة أوكرانية.
في غضون ذلك، بقي الأداء الرسمي الرسمي يراهن على تذبذب الموقف في لعبة التوازنات، أملاً بإبعاد النيران المشتعلة عن الأراضي الأردنية. ولعل المملكة تدرك خطورة تنقل المقاتلين الجهاديين في الماضي من سوريا وإليها، ولكنها قبلت الدخول في لعبة الصراع الدولية في سوريا، ما يعني أنّ بإمكان أي من الأطراف العبث بالأمن الأردني إذا قرر ذلك.
وحالياً، عادت المناشدات لاتخاذ «موقف واضح من الإرهاب التكفيري دون اللعب بورقته»، واستخدامها على الطريقة الأميركية، بل ذهبت دعوات بعضهم إلى الانفتاح بلا حدود على الجيش السوري وأجهزة الدولة السورية في تعاون موحد ضد الإرهاب، لأن هجوم الرقبان أثبت عجز الجماعات المعارضة المصنفة بأنها معتدلة عن وقف الهجوم وخدمة عمّان. وأشاد هؤلاء بالإدانة السورية الرسمية لهذا الاعتداء، فيما نقلت وكالة «سانا» الرسمية عن مصدر في الخارجية السورية «إدانته الشديدة للاعتداء الذي يؤكد مجدداً أن لا حدود للإرهاب ولا أحد بمنأى عنه».




تضييقات على دخول السوريين قبل عملية «الرقبان»

كانت السلطات الأردنية تسهل، كما نظيرتها السورية، دخول المواطنين من البلدين إليهما، لكن تعليمات جديدة لدخول السوريين إلى الأردن صدرت في الأعوام الماضية ضيّقت على دخولهم، علماً بأن التفاهم بين البلدين كان قد وصل في عام 2010 إلى حد إلغاء ضريبة المغادرة والرسوم المفروضة.
وكانت الاستثناءات الأردنية مقتصرة على المستثمرين السوريين، وكذلك أرباب الأسر الذين قضوا مدة طويلة في الأردن والمهنيين، فيما يمنع البقية من الدخول إلا بموافقة أمنية مسبقة وتحقيق في المطار أو المعابر الحدودية لو لزم. كذلك شمل الاستثناء الحاصلين على تصريح عمل، والفنانين الذين تلقوا دعوة من جهة معينة، وكذلك أبناء الأردنيات «القصر»، والسوريات المتزوجات بأردنيين. لكن وزير الخارجية الأردني، ناصر جودة، كان قد رد على ذلك بأنه لا يوجد قرار بمنع دخول السوريين إلى المملكة، بل «هناك حالات مشكوك فيها نظرنا في أمرها»، فيما اتجهت المملكة اليوم إلى إغلاق كامل للحدود غير معروف المدة، أو كيف سيؤثر في مجمل القوانين الخاصة بدخول السوريين لاحقاً إليها.
(الأخبار)