من «المكتب البيضاوي» المخصص للرؤساء، استقبل الرئيس الأميركي باراك أوباما وزير الدفاع وولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في خطوةٍ تدل على الأهمية المراد إضفاؤها على اللقاء الذي يأتي في توقيت حسّاس من عمر العلاقة بين الحليفتين التاريخيتين.ومن المنتظر أن يلتقي بن سلمان بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، منهياً بذلك الشقّ السياسي من زيارته الولايات المتحدة التي تحمل أبعاداً إقتصادية ضمن مشروع «رؤية السعودية 2030» التي أطلقها، مكرّساً نفسه «رجل الإصلاحات» في المملكة، بالتزامن مع رعايته لسياسة خارجية وُصفت بـ«المتهورة».
ويمكن القول إن الزيارة تضمنت مهمات شاقة، إذ إنها الأولى بعد فترةٍ اتسمت بالفتور والتشويش بين الطرفين على خلفيات عدة، أهمها الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، وقضية التقرير الذي يتناول علاقة السعودية بهجمات 11 أيلول، إلى جانب الانتقادات المتزايدة تجاه حرب اليمن والدعم الأميركي غير الواضح لحملة «التحالف» المتهم بجرائم حرب. أما اللقاء ببان كي مون فسيأتي بعد أيام فقط من اعتراف الأخير بضغوط مارستها السعودية عليه لسحب اسمها من تقرير يتهمها بقتل الأطفال في اليمن.
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية قد رأت أن هذه الزيارة تسعى إلى تحسين الصورة العامة للمملكة، على خلفية حربها على اليمن «التي جرّت عليها انتقادات كثيرة من حليفتها الولايات المتحدة ومن مسؤولين في إدارة أوباما».
وفي وقتٍ لم ترشح فيه تصريحات رسمية من اللقاء، أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن اجتماع بن سلمان بأوباما كان «بنّاءً»، وسعى إلى تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة.
في هذا الوقت، صوّت الكونغرس الأميركي، يوم أمس، بفارق ضئيل، على متابعة بيع القنابل العنقودية إلى السعودية. القرار وإن كان يحجب إجراءً كان قد جرى تقديمه إلى المجلس بهدف منع بيع هذه الأسلحة إلى الرياض، على خلفية اتهامات المنظمات الدولية باستخدامها ضد مدنيين في اليمن، إلا أنه يُعدّ دلالة مهمة على كون الانتقادات ضد السياسة السعودية وسياسة الغرب في دعمها، بدأت تلقى صدىً.
وأشار موقع «ذي انترسبت» الأميركي إلى أن تقارب الأصوات يعد مؤشراً على تزايد معارضة الكونغرس للحرب السعودية المدعومة من الولايات المتحدة في اليمن.
وقد صوّت 204 نواب على حظر نقل القنابل العنقودية إلى السعودية (164 من الحزب الديموقراطي و40 من الحزب الجمهوري)، فيما صوّت 216 على عدم حظر نقل هذه القنابل إلى المملكة (16 من الحزب الديموقراطي و200 من الحزب الجمهوري).
وقال النائب هانك جونسون من ولاية جورجيا، في جلسة التصويت، إن «السعودية تعمّدت استهداف المدنيين بقنابل عنقودية»، مضيفاً أن «التحالف أسقط قنابل عنقودية، في وقت سابق من هذا العام، على أحياء مدنية في العاصمة اليمنية صنعاء». وأشار هانك إلى أنه «من بين المباني التي قصفها التحالف السعودي كان مركز النور لرعاية وتأهيل المكفوفين»، مشيراً الى أن «تدمير المدرسة والإصابات التي تعرّض لها الأطفال شنيعة ولا تطاق».
وعلى الرغم من أن إدارة أوباما رفضت إدانة استخدام «التحالف» القنابل العنقودية علناً، إلا أن مجلة «فورين بوليسي» كانت قد ذكرت أن البيت الأبيض جمّد خفية، نقل القنابل العنقودية إلى السعودية، فيما تحاول مجموعة من المشرعين الأميركيين حظر نقل الأسلحة بالكامل الى المملكة، حتى تتوقف عن استهداف المدنيين عمدا في اليمن.
يُنظر إلى السعودية كشريك لا يشارك الأميركيين قيمهم

وكان محمد بن سلمان قد استبق هذا التصويت بلقاء مع مشرّعين أميركيين. وفي هذا السياق، قال مشرّعون إن «ولي ولي العهد السعودي أكد لهم، خلال اجتماعاته بهم، على خطته الرامية لإنهاء اعتماد بلاده على النفط بحلول عام 2030». واجتمع بن سلمان بأعضاء في لجنتي القوّات المسلحة والعلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب بول رايان.
ووفقاً لوكالة الأنباء السعودية، فقد بحث الاجتماع مع رايان «التعاون القائم بين البلدين في عدد من المجالات المشتركة، إلى جانب جملة من المسائل ذات الاهتمام المتبادل». وأشارت إلى أنه «بحث مع أعضاء الكونغرس تطوير التعاون بين البلدين في المجالات السياسية والأمنية».
وفي هذا الإطار، صرّح رئيس لجنة العلاقات الخارجية السيناتور الجمهوري، بوب كوركر، بأن «هناك تحديات تواجهه، لكن نجاحه بنسبة 50% سيعد إنجازاً»، في إشارة إلى رؤيته الاقتصادية. إلا أن كوركر أضاف، كذلك، أن بن سلمان أعرب عن قلقه من انفتاح الولايات المتحدة على إيران، ومحاولات روسيا زيادة دورها في الشرق الأوسط.
أما توم كوتون من لجنة الخدمات المسلّحة في مجلس الشيوخ الذي اجتمع مع بن سلمان، فقد أشار إلى أن «تركيزنا الرئيسي كان على مصالحنا الأمنية المشتركة، بما في ذلك جهود مكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة وداعش، والتهديد الذي يمثله العدوان الإيراني في سوريا والعراق واليمن، والشرق الأوسط».
وتعليقاً على أهمية الزيارة وأبعادها، قال الخبير في الشؤون السعودية في معهد «واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، سايمون هندرسون، إن محمد بن سلمان «أصبح واحداً من الشخصيات الأكثر نفوذاً في السعودية»، وأنه يشرف على حقائب الدفاع والقضايا الاقتصادية، مضيفاً: «يبدو أنه ذاهب ليكون ملكاً للسعودية، وسوف يكون على الولايات المتحدة أن تتعايش مع ذلك». من جهته، رأى الباحث في المجلس الوطني للعلاقات الأميركية ــ العربية، أندرو بوين، أن التغلب على المزاج الشعبي الأميركي المستاء من السعودية، يتطلب أكثر من زيارة، إذ إنه «يُنظر إلى السعودية في الولايات المتحدة كشريك لا يشارك الجمهور الأميركي الأوسع في قيمه».
وفي سياق الأهداف الاقتصادية لزيارته، من المتوقع أن يتوجه بن سلمان إلى كاليفورنيا بعد واشنطن، حيث من المقرر أن يزور منطقة سيليكون فالي وشركة «أوبر» للسيارات في سان فرنسيسكو، بعد قراره استثمار 13 مليار ريال في الشركة الأميركية.
وكان بن سلمان قد التقى أول من أمس وزير الدفاع آشتون كارتر، وجرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية ومجالات التعاون العسكري بين البلدين وسبل تطويرها، بحسب وكالة الأنباء السعودية، فيما سبق ذلك لقاءٌ مع وزير الخارجية جون كيري يوم الاثنين الماضي، إلى جانب لقائه بمدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه). ويضم الوفد السعودي رئيس الاستخبارات العامة خالد بن علي الحميدان، ووزير المالية إبراهيم بن عبد العزيز العساف، ووزير التجارة والاستثمار ماجد بن عبد الله القصبي، ووزير الثقافة والإعلام عادل بن زيد الطريفي.
(الأخبار، أ ف ب)