أخيراً، تمكنت القوات العراقية المشتركة من الدخول إلى مركز مدينة الفلوجة، بعد أربعة أسابيع من الاشتباكات الضارية، التي عدها خبراء ومختصون وقادة ميدانيون الأعنف التي يخوضها «الحشد الشعبي» والجيش. لكن الدخول الذي جاء سريعاً ومباغتاً، بخلاف جميع التوقعات والتكهنات، أثار العديد من علامات الاستفهام، وخصوصاً أنه مثّل محاكاة لسيناريو تحرير تكريت في آذار 2015.وأعلن قائد الشرطة الاتحادية رائد شاكر جوت دخول القوات الأمنية، بعد ظهر أمس، إلى مركز مدينة الفلوجة والوصول إلى «شارع بغداد»، الذي يطل على «حي نزال»، ويفصل جنوب الفلوجة عن شمالها. وأكد جودت في بيانات صحافية عدة، أن غالبية قادة وعناصر «داعش» بدأوا بالهروب من بعض مناطق مركز المدينة، بالتزامن مع تقدم القوات العراقية. كما أشار إلى أن المعارك التي يخوضها الجيش، أدت الى مقتل العشرات من عناصر «داعش» وتدمير 15 سيارة مفخخة، فضلاً عن تدمير معظم معاقلهم ونقاط تمركزهم في المحاور الجنوبية والغربية والشرقية، متوقعاً أن تشهد الساعات المقبلة تحرير قائمقامية الفلوجة ومديرية الشرطة.
وتدور غالبية المعارك، حالياً، في حي نزال الذي يعدّ أول أحياء ومناطق مركز الفلوجة، ومنه تندفع القطعات العسكرية المشاركة في عملية الاقتحام إلى بقية أحياء ومناطق المركز، وأبرزها الحي العسكري والحي الصناعي، حيث تجري عمليات إعداد السيارات المفخخة وصناعة العبوات الناسفة والمتفجرات، منذ أكثر من عامين.
ووفق ما جرى الاتفاق عليه، فقد استُبعدت قوات «الحشد الشعبي» بكافة فصائلها وتشكيلاتها من المشاركة في عملية الاقتحام، وتولّت القطعات التي اتفق على مشاركتها مسبقاً، اقتحام المدينة.
وعلى نحو مفاجئ، وقبل ساعات على عملية الاقتحام للمناطق المذكورة، عمد تنظيم «داعش» صباح أمس إلى فتح جسري الفلوجة أمام المدنيين، للخروج من مركز المدينة، وهو الذي كان قبلها بيوم واحد يمنع المدنيين من الخروج ويستهدف من يحاول الفرار، وينشر مقاطع فيديو عن عمليات إعدام لمن حاولوا الخروج.
مصدر في قيادة عمليات الأنبار قال لـ«الأخبار»، إن الأهالي غادروا الفلوجة بسياراتهم إلى منطقة الحلابسة غربي المدينة، ومن ثم توجهوا إلى القطعات العسكرية التي أصبحت على مسافة قريبة من مدخل الفلوجة الغربي، مشيراً إلى أن عدد المدنيين الذين غادروا يقدر بالمئات.
وبحسب مصادر تحدثت لـ«الأخبار»، فإن مواقع «داعش» في مركز المدينة تعرّضت لقصف أميركي هو الأعنف منذ بدء العمليات في الثالث والعشرين من أيار الماضي، استمر منذ مساء أول من أمس حتى صباح أمس. وأشارت المصادر إلى أن الطائرات كانت تنفذ طيلة فترة العمليات ضربات جوية، لكنها لم تكن بحجم الضربات التي سبقت اقتحام المدينة.
محكمة أربيل تأمر بالقبض على نوشيروان مصطفى

وكشفت المصادر عن أن الساعات الماضية شهدت اتصالات بين شيوخ وسياسيين «مؤثرين» في الأنبار مع أطراف حكومية في بغداد من جهة، والسفارة الأميركية ومستشاريها من جهة أخرى، بشأن عملية الاقتحام، متوقعة أن تكون تلك التحركات قد أدت الى نتائج حظيت بموافقة بغداد وواشنطن، وسياسيي وشيوخ الأنبار، بعد تجديد بغداد تطميناتها بعدم إشراك «الحشد الشعبي» في العمليات.
ويرى الباحث في الشؤون السياسية عبد العزيز العيساوي أن التقدم غير المسبوق للقوات العراقية يثير علامات استفهام كثيرة، ولا يجعل المراقب والمتابع يستبعد فرضية وجود صفقات واتفاقات بين الأطراف المعنية. ويقول العيساوي لـ«الأخبار» إن «ما جرى يحاكي سيناريو تكريت، لكنه لا يمكن التنبؤ بحجم تلك الصفقات وتداعياتها الداخلية والإقليمية».
العيساوي أشار، في هذا المجال، إلى أن ما تحقق خلال الأسابيع الماضية وتتوّج يوم أمس باقتحام مركز المدينة، والتوقعات التي تشير إلى إمكانية إنجاز عملية تحرير خلال أيام، سينعكس إيجاباً على بقية معارك التحرير، وعلى رأسها معركة الموصل.
في المقابل، رأى رئيس «مركز التفكير السياسي العراقي» إحسان الشمري أن سياسيي الأنبار هم «الحلقة الأضعف» في قضية عقد صفقة سياسية تخص قضايا كبرى، مشيراً إلى أن هناك قيادات جديدة أصبحت هي التي تملك القرار في تلك المدن.
وعزا الشمري، في حديث لـ«الأخبار»، النجاحات التي تحققت في الفلوجة، إلى التحضير والإعداد للخطط العسكرية وحجم القوات المشاركة وتوزيع المهام عليها. كذلك، أشار الشمّري إلى أن تحرير الفلوجة سيعزز الثقة برئيس الحكومة حيدر العبادي داخلياً ودولياً، مضيفاً أن المنجزات الأمنية «ستدفع بقية القوى السياسية المتخاصمة معه إلى إعادة ترتيب أولوياتها، لأن العبادي مسؤول عن انتصار عجِزَ عنه البعض».
على المستوى السياسي، كان الحدث الطاغي أمس في إقليم كردستان، حيث أصدرت محكمة تحقيق أربيل أمراً بإلقاء القبض على المنسق العام لحركة «التغيير» نوشيروان مصطفى، الذي سبق أن استدعته المحكمة للحضور أمامها، لأخذ إفادته لكنه لم يحضر.
وبحسب وسائل الإعلام، فإن قرار إلقاء القبض على مصطفى جاء على خلفية تسجيلات صوتية منسوبة إليه، نشرتها وسائل إعلام تابعة لـ»الحزب الديموقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود البرزاني، «يهدّد فيها القنصليات الأجنبية وموظفي شركات النفط العاملة في إقليم كردستان بالقتل والخطف».