في عام 2009 تعرض فرع البقعة، التابع للمخابرات العامة الأردنية، لمحاولة استهداف مسلح نفذها ثلاثة أفراد من أتباع التيار السلفي الجهادي، لكن قبض على اثنين حوكما بالأشغال الشاقة المؤقتة، والثالث فر إلى سوريا، حيث نفذ تفجيرا انتحاريا في تشرين الأول 2012 "انتقاماً لأبي مصعب الزرقاوي".فجر اليوم، وتحديدا في الساعة 5.50 بالتوقيت المحلي، تعرض الفرع نفسه لإطلاق نار كثيف من أسلحة رشاشة أيضا، قتل إثره خمسة من العاملين في المخابرات العامة، في حادث وصفته الحكومة الأردنية بأنه "هجوم إرهابي". وقال بيان الحكومة، إن "الإرهابيين استهدفوا المقر الأمني صبيحة أول يوم من أيام شهر رمضان في دليل واضح على السلوك الإجرامي لهؤلاء العناصر وخروجهم عن ديننا الحنيف"، مضيفا أن الأجهزة الأمنية "تلاحق الجناة وتتولى التحقيق في ملابسات الهجوم وستعلن كافة تفاصيله لاحقا". ولغة البيان لم تخف التقديرات الرسمية حول هوية الجناة، وانتمائهم في الغالب إلى السلفية الجهادية، أو "داعش".
وعقب الهجوم عقدت الحكومة الجديدة اجتماعا طارئا في ظل التقدير أن العمل نفذه شخص واحد، ثم استخدم سيارة في الوصول إلى مكان الحادث لا يعلم إن كان قد استعملها للهرب أيضا، لكن الذي نفذ العملية، أو من هم وراءه، له غايات عدة، ويعلم جيدا أين يضرب، فالهجوم بالقرب من أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين (مخيم البقعة، شمال العاصمة عمان)، والقتلى جميعهم من أصول شرق أردنية (منهم عريف ورقيب أول وجنود)، وأحدهم من عشيرة الزيود، إحدى عشائر بني حسن الأردنية التي قتل أحد أبنائها راشد الزيود في مواجهة مع خلية لـ"داعش" في إربد شمال المملكة مؤخرا، لا يستبعد أن يكون هجوم الأمس جزءا من تبعاتها.
اختير وقت الهجوم متطابقا مع موعد الهجوم السابق على خلية إربد

كذلك يبدو أن رصدا جيدا ومعلومات استخبارية سبقت العملية، فإضافة قتيل ثان من عشيرة واحدة بيد من يفترض أنهم من أصول فلسطينية (الخلية السابقة من مخيم اربد)، سيفاقم المشاعر في بلد عانى في السبعينيات من مواجهة مفتوحة (أيلول الأسود) بين التنظيمات الفلسطينية والجيش الأردني خلفت آلاف الضحايا من الجانبين.
أيضا، يذكر توقيت الهجوم أمس بتوقيت العملية الحكومية الأمنية ضد الخلية الداعشية في اربد، (راجع العدد ٢٨٢٧ في ٢ آذار)، وهو ما يطرح مجددا السؤال عن اللعب على وتر الفتنة بين الأردنيين والفلسطينيين، وخاصة في ظل أن مقاتلي "القاعدة" الذين يعملون لمصلحة "جبهة النصرة" في سوريا ويعالج المصابون منهم في مستشفيات إسرائيلية أحيانا، يوجد بينهم الكثير من الأردنيين من أصول فلسطينية.
ويقع مكتب المخابرات الذي تعرض للهجوم (نقل خارج حدود المخيم عام 1991 بعد تعرضه لإطلاق نار مصدره من داخل المخيم) في منطقة شبه معزولة، بل بعيدة عن التجمعات السكنية، ويشمل اختصاص عمل الفرع الذي يصطلح عرفاً على تسميته "مكتب مخابرات مخيم البقعة"، كلاً من المخيم ولواء عين الباشا والقرى والبلدات المحيطة.
في السياق، علّق الكاتب جهاد محيسن بالقول إن ما حدث قد يكون هدفه "خلق فتنة بين مكونات الشعب الأردني بشقيه الفلسطيني والأردني"، مضيفا: "من يرسم خطط التدمير والتفكيك للمنطقة يعرف جيدا ماذا يريد؛ في الحالتين العراقية والسورية، جرى التحشيد على أسس طائفية فنُفّذت خطة الموت وتخريب الأوطان بهذه الطريقة التي عمل عليها منذ عقود".

علاقة بين الهجوم و"خلية إربد"؟

القيادي البارز في التيار السلفي الجهادي محمد الشلبي، المشهور بأبي سياف، الذي يعيش حرا طليقا ويتنقل بين المدن الأردنية، لم يستبعد في تصريح أمس، قيام مطاردي عملية إربد الأمنية الذين تمكنوا من الفرار، بتنفيذ الهجوم في البقعة، وذلك بحجة أن "الموت أو الشهادة كما يعتقدون أفضل من السجن والتعذيب".
وعملية إربد الأمنية أقدمت عليها دائرة المخابرات العامة في آذار الماضي إثر اكتشافها، كما قالت، خلية تابعة لتنظيم "داعش" فاقتحمت المكان الذي تختبئ فيه، الأمر الذي أدى الى مقتل ضابط عسكري، وإصابة خمسة آخرين من كوادر الأمن بجروح بسيطة ومتوسطة، فيما قتل سبعة من عناصر الخلية ولاذ ستة آخرون بالفرار.
وحاليا أقدمت السلطات الأمنية على فرض طوق مشدد على المداخل المؤدية إلى مقر المخابرات العامة في البقعة، فيما تراجع السلطات كاميرات الشوارع للبحث عن خيط يوصل إلى المجموعة التي نفذت الهجوم.

عن المفاجآت المتوقعة!

هجوم البقعة مثّل صدمة للناس هنا، وخاصة أنهم لم يعتادوا بعد مشاهد دموية من هذا القبيل، والكل صاروا متسمرين أمام الشاشات ووسائل التواصل لمعرفة آخر التطورات، فضلا عن المشاركة الكثيفة في جنازات الضحايا.
يقول المحلل السياسي عامر السبايلة إن ما حدث شبه متوقع وليس لعوامل داخلية فقط، لافتا إلى تصاعد المواجهة مع "داعش" في سوريا والعراق. ويضيف: مع اقتراب وصول الجيش السوري إلى الرقة والعراقي إلى الموصل، فإن التنظيمات الإرهابية ستسعى منطقياً إلى تعويض خسائرها في معاقلها عبر إحداث عمليات إرهابية في مناطق جديدة يكون الأردن أحد أقوى المرشحين لمثل هذه المواجهة"، متابعا: "وصول التنظيمات الإرهابية إلى نقطة المواجهة في الداخل الأردني هو أمر متوقع نظراً إلى التنامي المرعب لهذه التنظيمات، التي تتوافر لها حواضن داخلية متعددة".
ولا يختلف المراقبون عموما في أن المقاربة الأمنية الأردنية الداخلية في التعامل مع التكفيريين لم تكن ناجحة، وصاروا يستذكرون تقريرا حديثا صادرا عن الأمن القومي الأميركي في ٢٠١٥ حول مكافحة الارهاب، ذكر بوضوح "فشل سياسة مكافحة التطرف الأردنية، والقائمين عليها، في إحداث أي تغيير ملموس خلال التعاطي مع التنظيمات الإرهابية"، فهل ينتهي الحدث الأمني إلى هنا، أم تكر المسبحة؟