رغم تشكيك المعارضة في نتائج كل الانتخابات التي تجرى في الجزائر، إلا أنها لا تبدو متفقة على خيار مقاطعتها، إذ بدأت تظهر خلافات واضحة بين عدد من الأحزاب المشكلة لتكتلات المعارضة حول الموقف من الانتخابات التشريعية المنتظرة العام المقبل (2017)، وهو ما انعكس في آخر اجتماع لـ"تنسيقية الانتقال الديموقراطي"، بإعلان "حزب جيل جديد" انسحابه من هذا التكتل وإعلان عدم رضاه عن الخط الذي تسير فيه المعارضة.ويقول رئيس "حزب جيل جديد"، سفيان جيلالي، في عرضه للأسباب التي دفعته إلى الانسحاب، إن بعض الأطراف داخل "التنسيقية" يريدون جرّ المعارضة إلى المشاركة في التشريعيات المقبلة، على الرغم من عدم الحصول على أي ضمانات من السلطة حول نزاهة هذا الاستحقاق الانتخابي، وهو ما سيعود سلباً على مصداقية المعارضة في الشارع، إذ ستظهر بمظهر الباحث عن تحقيق المكاسب الشخصية.
ويوضح جيلالي، في حديثه إلى "الأخبار"، أن اتفاق المعارضة في "تنسيقية الانتقال الديموقراطي" كان على الدعوة بإلحاح لإنشاء لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات من أجل إخراج إدارة العملية الانتخابية تماماً من يد السلطة، ومن ثم إعادة النزاهة إلى الانتخابات، وهو ما يعني أيضاً عودة الشرعية إلى المجالس المنتخبة وإظهار مدى التمثيل السياسي الحقيقي في الجزائر، خصوصاً أنّ الموالاة غالباً ما تتهم المعارضة بأنها تعبّر عن أقلية محدودة عند الجزائريين، وذلك بالاعتماد على نتائج الانتخابات المزورة لمصلحتها.
المقاطعة المسبقة للانتخابات التشريعية بسبب عدم وجود هيئة مستقلة لتنظيمها، اعتبرها رئيس "حركة مجتمع السلم"، عبد الرزاق مقري، فكرة "راديكالية" لا تتفق بشأنها أحزاب المعارضة. ووفق هذا السياسي العضو في "التنسيقية، فإن خيار المشاركة أو المقاطعة في التشريعيات لا يزال سابقاً لأوانه إلى حين دراسة الوضع والقوانين الجديدة للانتخابات. ويطرح مقري فضلاً عن ذلك فكرة حكومة وحدة وطنية بعد التشريعيات، تجمع السلطة والمعارضة، على أن يكون برنامجها تحقيق الانتقال الديموقراطي.
هذا الموقف من مقري في ندوته الصحافية التي عقدها أمس، ترك انطباعاً أن حركته المحسوبة على "التيار الإخواني" في الجزائر ماضية إلى المشاركة في الانتخابات التشريعية، رغم أنها كانت من المقاطعين لرئاسيات 2014، وهو نفس الخيار الذي يرجح أن يتخذه "التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية"، الشريك الآخر في "التنسيقية". كذلك ينتظر من علي بن فليس، وهو المرشح السابق للرئاسيات في مواجهة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أن يشارك في الانتخابات بحزبه الجديد "طلائع الحريات"، خاصة أنه كان معروفاً عنه تحمّسه لخيار المشاركة في الرئاسيات الماضية رغم دعوات المقاطعة الواسعة التي نادت بها المعارضة.
وقد فرض حرص المعارضة على نزاهة الانتخابات، ولو بالخطابات، على الحكومة الجزائرية فتح هذا الملف ومحاولة تقديم قرائن على أنها صادقة في الإصلاحات التي تنوي القيام بها، فأعلنت خلال انعقاد جلسة مجلس الوزراء الأخيرة عن قانون جديد للانتخابات وإنشاء هيئة مستقلة لمراقبتها.
وذكر بيان مجلس الوزراء أن هذه الهيئة ستتشكل من 410 أعضاء، نصفهم قضاة يقترحهم المجلس الأعلى للقضاء والنصف الآخر كفاءات مستقلة من المجتمع المدني يمثلون كل المحافظات والجالية الوطنية في الخارج. وأوضح أن هذه الهيئة ستتمتع باستقلالية إدارية ومالية، وستضم رئيساً ومجلساً علنياً ولجنة دائمة تتكون من عشرة أعضاء ينتخبهم المجلس العلني بالتساوي بين القضاة وممثلي المجتمع المدني.
وحددت لهذه الهيئة مهمات السهر على نزاهة كل العمليات المرتبطة بمراجعة القوائم الانتخابية وإيداع الترشحات وتسليم القوائم الانتخابية للمترشحين وتوزيع منصف لوسائل الحملة الانتخابية، إلى جانب ضمان حق المترشحين في حضور الاقتراع والسهر على توافر أوراق التصويت والسهر على احترام مواقيت فتح مكاتب التصويت وغلقها.
ويبدو الفارق واضحاً بين ما تريده المعارضة والسلطة؛ فالأولى تريد لجنة لتنظيم الانتخابات، بينما تريدها الثانية لجنة للمراقبة فقط مع احتفاظها بحق التنظيم، وهو ما دفع بتنسيقية المعارضة في اجتماعها الأخير إلى اعتبار ما صدر عن السلطة التفافاً على مطلبها الرئيس، إلا أنها ليّنت من خطابها بتقديم وعود بدراسة القوانين الجديدة وإبداء موقفها منها لاحقاً.
إلا أن أخطر ما يحذر منه المراقبون لمسار المعارضة في الجزائر، أن تنجح السلطة في تفكيكها من جديد، باستعمال طعم الانتخابات التشريعية، بعدما تكتلت وصارت تشكل تجمعاً سياسياً نجح في استقطاب أحزاب تجاوزت خلافاتها الايديولوجية، وتوحدت على خطاب يدعو إلى تحقيق الديموقراطية في البلاد.