وقّع الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، قوانين جديدة تعزز قواعد "واجب التحفظ" بالنسبة إلى ضباط المؤسسة العسكرية حتى بعد خروجهم إلى التقاعد. يأتي ذلك في وقت يقبع فيه أحد كبار ضباط الجيش السابقين في الحبس الاحتياطي بتهمة إفشائه أسراراً عسكرية، عقب تصريحات مثيرة أدلى بها في برنامج إذاعي.وأعلن مجلس الوزراء الجزائري، الذي انعقد مساء أول من أمس برئاسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أنه صادق على مشروعي قانونين عرضهما نائب وزير الدفاع الوطني قائد أركان الجيش الوطني الشعبي، يتضمنان تعديلات على القانون الأساسي العام لضباط الاحتياط، وكذا بالنسبة إلى القانون الأساسي العام للمستخدمين العسكريين.
وأوضح مجلس الوزراء أن الهدف من هذين النصين هو تعزيز القواعد المسيرة لـ"واجب التحفظ" بالنسبة إلى الضباط العامين والضباط السامين المتقاعدين، وهو ما يعني منع ضباط الجيش من الخوض في المسائل الخاصة بالمؤسسة العسكرية في وسائل الإعلام خلال سنوات معينة، لم يتم تحديدها بعد، أثناء عملهم وبعد خروجهم إلى التقاعد.
تعديلات على
القانون الأساسي العام لضباط الاحتياط

وواضح من خلال هذين القانونين أن الرئيس بوتفليقة ومحيطه يريدون منع أي تدخل لضباط المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية للبلاد، خاصة بعد الضجة التي أثارها عدد من الضباط غير الراضين عن الوضع الحالي في البلاد، وهو ما جعل بعضهم يطلقون تصريحات تفاعل معها الرأي العام بشدة، بينما تدخل البعض الآخر عبر رسائل ومساهمات تم نشرها على نطاق واسع في وسائل الإعلام الوطنية.
وكانت أقوى التصريحات تلك التي أطلقها اللواء المتقاعد حسين بن حديد، قائد الناحية العسكرية الثالثة سابقاً، قبل نحو ثمانية أشهر، عندما اتهم السعيد (أي شقيق الرئيس بوتفليقة) بالإعداد لخلافة أخيه في الحكم "على الطريقة القطرية، عندما عزل الأمير السابق والده من الحكم". وأشار إلى أن "السعيد بوتفليقة، في إطار طموحه لخلافة أخيه في سدة الحكم، قام بإبعاد الفريق توفيق (القائد السابق لجهاز الاستعلام والأمن) الذي يمثل العقبة الأولى أمامه، وبإبعاد الفريق أحمد بوسطيلة قائد الدرك الوطني لأنه من القدماء ولا يمكن التحكم فيه".
وذهب الجنرال المتقاعد بعيداً في تصريحاته، إذ طعن في كفاءة قائد أركان الجيش الحالي، وتحدث عن دور المؤسسة العسكرية في إلغاء المسار الانتخابي سنة 1992 (الانتخابات التشريعية التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة)، وما حدث بعدها من أزمة أمنية تسببت في خسائر بشرية ومادية فادحة.
ولم تمر أيام على تصريحات بن حديد، حتى جرى اعتقاله بتهمة إفشاء أسرار عسكرية، ولا يزال إلى الآن في الحبس الاحتياطي من دون محاكمة، رغم تنديد محاميه المستمر باستمرار هذا الوضع غير القانوني.
ومن بين ما يرى فيه محيط الرئيس بوتفليقة خرقاً لـ"واجب التحفظ"، الرسالة التي صدرت عن قائد المخابرات السابق، الجنرال محمد مدين (توفيق)، في بداية كانون الأول/ديسمبر الماضي، مطالباً بـ"رفع الظلم" عن أحد كبار معاونيه (الجنرال آيت وعرابي الملقب بحسان) الذي جرى اعتقاله في آب/أوت 2015.
وكان وزير الدفاع الأسبق، اللواء خالد نزار، قد وصف هو الآخر الحكم على الجنرال حسان بـ"الجريمة والافتراء في حق الجنرال آيت وعرابي وعائلته". وعدا ذلك، يتدخل نزار باستمرار في الأحداث السياسية التي تشهدها البلاد، من خلال الموقع الذي يديره ابنه "ألجيري باتريوتيك". وفي آخر مساهمة له، وعد بكشف تفاصيل وأسرار جديدة عن خلافة الرئيس بوتفليقة.
وقبل يومين، دخل اللواء المتقاعد علي غديري، الأمين العام السابق لوزارة الدفاع الوطني، على الخط وكتب رسالة مطولة حذر فيها من التخلي عن مبادئ الثورة التحريرية، وانتقد فيها سلوكيات "التزلف" لمصلحة أصحاب القرار، والابتعاد عن النقاشات الجادة التي يمكنها أن تفيد مستقبل الجزائر.
ووفق مراقبين، فإن الرئيس بوتفليقة ومحيطه يخشون من بروز ضباط المؤسسة العسكرية كقوة مضادة لسياساتهم في البلاد، بسبب حالة التذمر التي تسود كثيراً منهم إثر القرارات الأخيرة بحلّ جهاز الأمن والاستعلام وإعادة هيكلته في جهاز جديد بما يقلص من عدد المنتسبين إلى المخابرات في الجزائر، وهو ما دفع مئات الضباط إلى التقاعد.