"لقد بدأ عملي ووعيي حينما شاهدت والدي يذرف الدموع على أحداث فلسطين، والعالم العربي. كنت آنذاك لا أزال حدثاً بعد. فمشاهدة والدك ــ الذي هو عادة شخصٌ قويٌ جداً ــ يبكي، هو أمرٌ غير معتاد أو عادي. لذلك بات هذا كنوع من التساؤل في داخلي، وأوجد فيّ فكرة "المقاومة"، أي فكرة الروح التي لا تقهر أو "أنا ضد العالم" (me against the world)". هكذا يحدّثنا الفنان البريطاني (الباكستاني الأصل) محمد حمزة حول أسلوبه الفني، والذي عرفه العالم عبر موقعه على الإنترنت (http://www.intifadastreet.com/). تتنوع لوحات الفنان الشاب، فنجد صوراً من العراق وسوريا وفلسطين، كما نجد لوحات بورتريه (وإن مع تعليقات على طريقة الكاريكاتير) لشخصياتٍ مقاومةٍ معروفة.
فمن مالكوم أكس وموميا أبو جمال حتى محمد علي كلاي (المناضلين الأفريقيين الأميركيين المعروفين)، إلى فيدل كاسترو وغيفارا (رمزَي الثورة الكوبية)، وأحمد بن بلا (الرئيس الجزائري الأسبق)، وكوامي نكروما (الزعيم الأفريقي)، وليلى خالد (المقاومة الفلسطينية) وصولاً حتى الإمام الخميني والسيد حسن نصرالله.
وفيما تتنوّع الصور التي تتناول الانتفاضة الفلسطينية مروراً بشعار حزب الله "مرسوماً على الحائط"، إلى الفتاة الفلسطينية المنتفضة التي ترشق الصهاينة بالحجارة، حتى مالكوم أكس حاملاً بندقيته منتظراً استشهاده، يشير حمزة: "أنا أتناول مواضيع من لبنان، العراق، سوريا (ضد داعش)، وبالتأكيد فلسطين؛ ضد الإمبريالية الأميركية وأي إمبريالية أخرى. أنا أعرّي وحشية الإمبريالية في أعمالي". ويؤكد حمزة أن هدفه في النهاية "أن أخلق تساؤلات أكثر من مجرّد اعتراضات؛ كانت دوافعي هي التواصل مع عددٍ كبير من الناس، وذلك يعود إلى أنه إذا أردنا أن نتواصل مع عدد أكبر من الناس فعلينا أن نخبرهم بما نشعر، وهذه هي طريقتي "كفنان تعبيري تواصلي". أنا أريد أن أصل إلى الناس، وأوصل إليهم أفكاري".
الفنان الذي عمل ورسم أغلفة ألبوماتٍ لفرق "هيب هوب" و"راب" غربية شهيرة مثل:M1 (Mutulu - Dead Prez) & Marcel Cartier، زار قطاع غزّة، وكانت تلك الزيارة بحسب ما يورده "شديدة الأهمية لناحية البعد الثقافي والنفسي" وأثّرت كثيراً فيّ، وخلقت في داخلي الكثير". هذا الخلق جعله يؤكد أنه "لا أرى فلسطين كقطعة جغرافيا فحسب، بل ببساطة هي مبدأ، والمبدأ هو أمر أكبر وأكثر استمرارية من جميع النواحي"، مؤكداً في الوقت عينه "أنا أحاول أن أوصل أصوات "المقموعين" والمحطمين من هذه الآلة المتوحشة المفروضة عليهم؛ فالقلم في كثيرٍ من الأحيان يكون أقوى من السيف، وأنا أستخدم ذلك كثيراً في فني، فأنا في النهاية فنان مقاوم، وهي طريقة أساسية للتعبير بحسب ما أراه".
درس حمزة في بريطانيا وتخرّج في كلّية الهندسة، لكن ذلك لم يمنعه أبداً من الابتعاد عن "الهندسة" كفعل بناء ليتجه إلى الفعل المقاوم في حد ذاته، وهو الأمر الذي يجعله يبذل مجهوداً كبيراً في سبيل ما يريد تحقيقه من خلال خلق أسلوبه الخاص: "أسلوبي أعتقد أنّه أتى من داخلي. أنا أعمل كثيراً، ولساعاتٍ طوال، وأكثر من ذلك فإنه يتطلب مني جهداً كبيراً، لذلك فهو شخصي وخاص للغاية، وأعيد قراءة ما أرسمه مراتٍ ومرات، كي أعطيه الصورة المطلوبة عقلياً للمشاهدين؛ وكفنان مقاوم أنا أعلم بأن المواضيع التي أتطرق إليها ليست بجديدة، لكن مع هذا فإنني أتناولها عبر طريقتي الخاصة، فأرسم ما أراه مناسباً ومقاوماً في آنٍ واحد". وبالعودة إلى لوحاته نجد حمزة مبتعداً قدر الإمكان عن المعتاد في الرسم الذي يريده كثيرون منه، خصوصاً أن الاعتراض على "المقاومة" كفعل جسدي أو كفعل "عقلي" مرفوضٌ للغاية. هنا يقسم حمزة الفكرتين فيشير إلى دوره: "هناك عدّة أشكال من المقاومة؛ بالنسبة إليّ المقاومة الجسدية هي مقاومةٌ جيدة وناجعة، لكن أنا أقاوم على طريقتي، بواسطة لوحاتي، ورسومي وأفكاري، هذه هي طريقتي في المقاومة. أنا لا أمدح نفسي، ولا أعتقد بأن ما أقوم به هو "كل شيء" وهو "أفضل أنواع المقاومة". أنا ببساطة أقوم بما أستطيعه".
أما بالنسبة إلى الاعتراضات على أعماله وجهده، فيؤكد أنَّ ما يقوم به يخلق اعتراضاتٍ كثيرة، لكن ذلك لا يمنعه البتة من القيام بما هو واجبٌ عليه: "كثيرون يعترضون على أعمالي، كثيرون لا يعجبهم ما أرسمه أو أقدّمه. هذا لا يضايقني كثيراً، هذا يشعرني بأنني أفعل شيئاً جيداً، إذ إن انزعاجهم يدفعني إلى تقديم المزيد، وهذا يؤكد لي أن ما أقوم به هو شيءٌ يضايقهم بالفعل، خصوصاً إذا كانوا أشخاصاً من نوعٍ معين يشملهم الرسم بكلامه. من هنا أعتبر ذلك دافعاً إلى المزيد من الاستمرارية في العمل".
يخوض محمد حمزة مقاومته على طريقته الخاصة. فهذا الطريق هو شائكٌ للغاية، خصوصاً في بلادٍ قد تلاحقك لمجرد أنّك قلت رأياً مخالفاً. فرغم كل ما يحكى عن الديمقراطية الغربية، فإنه في لحظةٍ ما، وعند سقف معين من التعبير، "تختفي" وتصبح ملاحقاً لمجرد اعتقادك بما لا يعجبهم!