لم يكن رجل الأمن السعودي، يتوقع أن يطرده أهالي المنطقة المفجوعين، من ساحة المجزرة داخل «مسجد الإمام علي»، شمال قرية القديح «الشيعية» في محافظة القطيف، حين سمعوه يترحم على الانتحاري الذي فجر نفسه وسط المصلين يوم أمس. مشهد قد يعتبره البعض مسلياً بتراجيديته، اذ لأول مرة يتعرض رجال الأمن السعودي لمشهد مماثل، هم الذين طوقوا المنطقة بالحديد والنار والخوف لسنوات من عمر الحراك القطيفي.
سبّب الانفجار الهائل الذي سمع في كل بلدة القديح الهادئة، وسط القطيف، صدمة على الصعيد الشعبي والوطني. جرى خلال الساعات الأولى تبادل الاتهامات بين جميع الأطراف المعنية والمتابعة لمشهد الفاجعة، التي تحدث لأول مرة في مدنية تمتاز بكثرة نخيلها وعيونها الطبيعية. استُعيد فيها الخطاب الطائفي البغيض المختفي تحت رماد الدولة الوهابية، المتهمة بتغذية وتبني بيئة تكفيرية، على كامل التراب الوطني المتشظي بألوانه المذهبية المختلفة.
سحابة اليوم القطيفي الدامية لم تكن عابرة، إذ سبق تبني تنظيم «داعش» (ولاية نجد) للعملية الانتحارية في القطيف، حديث إعلام النظام المروج لكذبة «الوحدة الوطنية»، عبارات طائفية أطلقها أمراء وسياسيون رسميون ضد طائفة واسعة من المواطنين «الشيعة» و«الإسماعيلية» خاصة مع بدء الحرب السعودية على اليمن.
البداية كانت مع هجوم أمير منطقة الشرقية سعود بن نايف بن عبد العزيز، على أبناء منطقته (8-4- 2015)، تعليقاً على مقتل رجل أمن في اشتباكات مسلحة في منطقة العوامية، شرق محافظة القطيف، الغنية بالنفط، مشبهاً إياهم بـ«أحفاد عبد الله بن سبأ الصفوي الذين يخرجون بوجهه البشع محاولين شق الصف»، الأمر الذي لم تخجل من إظهاره صحف النظام الرسمية هو الذي خرج بعناوين بارزة، متصدراً صفحاتها الرئيسية في اليوم التالي.
وكأن المسار الطائفي في تصريحات المسؤولين اتخذ بعداً طائفياً واضحاً مع تصريحات محمد بن نايف ولي العهد ووزير الداخلية في تهكمه على أبناء المنطقة ـ في مجلسه الأسبوعي ـ قائلاً إن «الشر يأبى إلا أن يكون حاضراً في أبناء القطيف»، ولا سيما في محاولاته الأخيرة لإمرار إعدام الشيخ نمر النمر انتقاماً منه على هجومه على والده الراحل نايف بن عبدالعزيز. الأمر الذي استدعى إعادة بعث الحراك «الشيعي» المطالب بإطلاق سراح الشيخ والمعتقلين السياسيين من أهالي القطيف.
خطاب سياسي يرافقه خطاب ديني تعبوي ضد أطياف المملكة المتشددة في إظهار طابعها الوهابي، ينقلها الإعلام الرسمي ووسائل التواصل الاجتماعي دون حسيب أو رقيب، مغلفاً بحاضنة شعبية تتقبل هجومها، في منطقة ألغام واسعة ومختلفة مذهبياً ومناطقياً وقبلياً، حتى قبل نشأة الدولة السعودية الحديثة. ورغم ذلك لا يزال مشروع إذابة نسيج المناطق الاجتماعي والثقافي في بوتقة الوهابية ونجد المستمرتين في بعثرة النسيج القبلي وشرائه بالمال والمعاهدات، يرافقها قسراً الغبن السياسي والديني.
أخيراً، نشط رجال دين سعوديون في الحملة المذهبية على «الشيعة الروافض»، منهم الشيخ محمد البراك الذي غرد عبر حسابه على موقع «تويتر»، مطالباً بـ«منع الشيعة من إظهار شعائرهم». فيما يستعين إبراهيم الفارس على كفرهم بأدلة من مذاهب الأئمة الأربعة. ويتوجه الشيخ سعد البريك لإعلان «حملة أهل السنة في الأرض لتحرير البلاد الإسلامية من الروافض المجوس». في الوقت نفسه تستضيف السلطات السعودية، عدنان العرعور ـ سوري الجنسية ـ المعروف بمواقفه الطائفية من «الشيعة» و«العلويين» في الخليج وبلاد الشام.
وينتقد مراقبون الخطاب الطائفي المتبنى رسمياً، في ظل الاضطرابات التي تحيط بالسعودية، التي تشن حروباً ـ بدواعش وطنيين ومرتزقة ـ مباشرة أو بالوكالة في اليمن والعراق وسوريا والبحرين. تدفع معها المملكة الوهابية مليارات الريالات سنوياً لترويج حملات محاربة الطائفية والذهبية محلياً وخارجياً ـ فشلت حتى اليوم في إصدار قانون يجرم الطائفيةـ وليس خافياً على الجميع المهمة التي أنيطت إلى «مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات» في العاصمة النمساوية فيينا (2012)، ليست سوى قناع يخفي وراءه تمييزاً مذهبياً، يصبغ الخريطة الطائفية داخل السعودية. تفشل معه أي حملة تصحيحية، لإنقاذ ما يحتمل إنقاذه ضد ما يتهدد الحكم العجوز، بسبب تضخم الكرة الطائفية التي تحاول الملكية الوهابية رميها في ملعب الآخرين، فيما تشي عملية الأمس الإرهابية بأن كرة النار تلك بدأت تصل لأطراف الثوب السعودي.