كسر عناصر حامية المشفى الوطني في جسر الشغور الحصار المفروض عليهم من قبل مسلحي «تنظيم قاعدة الجهاد في الشام ــ جبهة النصرة» وحلفائه، وخرجوا قاصدين فرصة الحياة الجديدة، بعد أسابيع من مقاومة الهجمات ومحاولات الاقتحام اليومية. العناصر، وعددهم يقارب 250، مضوا خارجين من المشفى، تحت مرأى المسلحين ومسمعهم، حاملين جرحاهم، بقيادة العقيد محمود صبحة، صباح أمس، باتجاه الجنوب، بهدف الوصول إلى قرية كفير، حيث تنتظرهم أول نقطة للجيش السوري.
تزامن توقيت الخروج مع غطاء ناري كثيف وفّره الجيش السوري على محاور السرمانية ومعمل السكر واشتبرق، بهدف إشغال المسلحين عن خروج عناصر الحامية. ساعات طويلة استغرقت قبل وصول أول دفعة من المجموعات الثلاث التي انطلقت صباح أمس، إلى دائرة الحماية الأولى، حيث تنتظرهم وحدات من الجيش ومشافٍ ميدانية لإسعاف المصابين. فيما اشتبك الباقون مع المسلحين في البساتين المحيطة، ما أدى إلى وقوع شهداء وجرحى، وسقوط بعضهم أسرى، بينهم النقيب يعقوب الخوري. ليصل بعضهم مع حلول المساء إلى حواجز الجيش القريب، بعدما اضطروا إلى التحرك زحفاً لمسافات تزيد على 600 متر، هرباً من قناصي المسلحين، بعد تقسيمهم إلى مجموعات. ووصلت أولى المجموعات إلى نقطة من نقاط الجيش في كفير، بقيادة قائد الحامية العقيد محمود صبحة، مع 10 من عناصره، مساء أمس. وعمد العقيد صبحة مع مجموعة من الجيش السوري إلى العودة وسحب بقية المجموعات التي كانت قد وصلت إلى نقاط آمنة، بعيداً عن خطر كمائن المسلحين. الرئيس السوري بشار الأسد أجرى اتصالاً هاتفياً مع العقيد محمود صبحة، قائد حامية المشفى، مهنئاً بكسر الحصار وسلامة العناصر الناجين، بعد رحلة طويلة للوصول إلى حيث ينتظرهم رفاق السلاح. وتحدثت مصادر ميدانية لـ«الأخبار» عن أنّ العناصر المنسحبين من المستشفى تخفّوا في البساتين القريبة، بانتظار حلول المساء، بهدف سهولة التحرك بعيداً عن رصد المسلحين. وكان المسلحون قد دخلوا إلى المستشفى عبر نفق استطاعوا حفره بغرض تفخيخه وتفجيره، بتوقيت صلاة الجمعة، غير أن عناصر الحامية استبقوا خطة المسلحين بالخروج إلى المواجهة، بدل انتظار وصولهم إلى داخل المستشفى. ونشر المسلحون صوراً لهم داخل المستشفى، معلنين سيطرتهم عليها بعد أسابيع من حصارها دون جدوى.

«داعش» يسيطر على المحطة الثالثة

لم يبقَ لتدمر سوى نداءات الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي الذي طالب العالم، فجأة، بحماية الآثار في تدمر، من خلال بيان أصدره أمس. البيانات العربية والدولية التي اعتادت سوريا عليها، لن تنفع بالطبع سوى للاستهلاك الاعلامي.
تنظيم «داعش» الإرهابي وحده يتمدد داخل المدينة التاريخية، فيعاقب من يشاء ذبحاً بالسكاكين، بتهمة «موالاة النظام». التدمريون استيقظوا صباح أمس على عشرات الجثث المقطعة الأوصال في شوارع المدينة، في حين استمر وصول العسكريين المنسحبين من المدينة إلى مطار الـ«T4» العسكري، بعد أيام قضاها بعضهم في الصحراء المحيطة. مدرسة هدى شعراوي وسط المدينة تحولت على أيدي مسلحي «داعش» إلى سجن مؤقت، لاعتقال المتهمين بـ«التعامل مع الدولة السورية». كما استقدم عناصر التنظيم مولدات كهربائية ضخمة، لإعادة الكهرباء والمياه إلى المدينة. وكان قد تم تأمين انسحاب 45 عنصراً من سرية التأديب في الوحدات الخاصة، بعد حصارهم داخل سجن تدمر العسكري.

هنّأ الرئيس بشار الأسد قائد الحامية العقيد محمود صبحة، بسلامة العناصر الناجين
العناصر المنسحبون أمّنوا خروجهم عبر استخدام آليات ثقيلة، تحركت باتجاه نقليات القدموس، وصولاً إلى غرب المدينة. واستغل عناصر السرية عدم كثافة انتشار مسلحي «داعش» في الجزء الغربي من المدينة، مؤمّنين بأنفسهم غطاء نارياً لخروجهم، مروراً بفرع الأمن العسكري الذي انسحب عناصره سابقاً. وساعد خروج عناصر السرية سالمين على تأمين انسحاب 35 عنصراً من الجيش كانوا يتمترسون ضمن بيارات المدينة.
«المحطة الثالثة» T3 نالت نصيبها أيضاً من الحصار والدمار، بعد سيطرة المسلحين عليها. مصدر ميداني أكد أن عناصر حماية الموقع فكوا الحصار عن المحطة الثالثة لضخ النفط في البادية، بعد أيام من مقاومتهم هجوم المسلحين. وتابع المصدر إنّ عناصر الحامية أجلوا 400 مدني من المحطة، بينهم عائلات المهندسين العاملين فيها. في حين أعاد الجيش السوري انتشاره على مسافة تصل إلى 21 كلم، غربي قلعة تدمر الأثرية، منعاً من تقدم عناصر التنظيم غرباً. كذلك واصل الجيش نشر قواته غربي بيارات تدمر، بهدف تنفيذ أيّ خطة لاستعادة المدينة.

نحو القلمون الشرقي

المد «الداعشي» لم يقف عند حدود مدينة تدمر، إذ سيطر التنظيم على منطقة «البصيري» و«الصوانة» الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة القريتين (ريف حمص الشرقي) على طريق تدمر ــ دمشق، وقد عبّرت الحسابات المؤيدة للتنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي بأنّ «الزحف لا يزال مستمراً باتجاه القلمون الشرقي». وتمكُّن «داعش» من الوصول إلى القلمون الشرقي يتيح له شق خط إمدادٍ لمسلحيه يبدأ من المنطقة الشرقية الخاضعة لنفوذه ويصل حتى القلمون الشرقي، مروراً بمدينة تدمر.
المناوشات والاشتباكات بين تنظيم «الدولة» والفصائل المسلحة لا تزال قائمة ضمن إطار إبعاد الأول عن منطقتي القلمون الشرقي والغوطة الشرقية. وفي السياق، نفذ أحد عناصر «داعش» فجر أمس، عملية انتحارية استهدف فيها إحدى نقاط مسلحي «جيش الإسلام» التابع لـ»الجبهة الإسلامية» في محيط منطقة «البترا» في «القلمون الشرقي». العملية الانتحارية أسفرت عن مقتل 3 من المسلحين وجرح عددٍ آخر منهم. في المقابل، هاجمت المجموعات المسلّحة نقاطاً لـ«داعش» في المنطقة، مدمرة 4 «سيارات تابعة للتنظيم وقتل من فيها»، بحسب بيانٍ لـ«فيلق الرحمن» في حسابه على موقع «تويتر». وأضاف البيان إن «فيلق الرحمن»، بالتعاون مع «جيش الإسلام» و«جبهة النصرة» و«جيش أسود الشرقية» و«أحرار الشام»، يخوضون «اشتباكات عنيفة في القلمون ضد تنظيم داعش، ويتقدمون في منطقة المنقورة». وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفصائل شكلت منذ مدة غرفة عمليات موحدة لإدارة المعارك ضد تنظيم «الدولة».