صنعاء | في أدنى انخفاض عرفه الريال اليمني مقابل الدولار الأميركي، سجّلت العملة المحلية في اليمن انخفاضاً إلى 325 ريالاً (من 250 ريال) مطلع الأسبوع الجاري، الأمر الذي ينذر بكارثة اقتصادية سيصعب تلافيها ومعالجتها قريباً.وشهدت الأيام الماضية انهياراً متسارعاً لأسعار صرف العملة أمام العملات الاجنبية، ومنها الريال السعودي الذي ارتفع من 65 ريالاً مقابل الريال اليمني الواحد إلى 80 ريالاً في السوق السوداء خلال الـ48 ساعة الماضية. هذا الانهيار أدى إلى ارتفاعات متباينة في أسعار المواد الغذائية كافة، ما عدا القمح والدقيق اللذين يغطي البنك المركزي اليمني وارداتهما بالدولار.
ويأتي هذا التراجع في إطار الحرب الاقتصادية التي يشنها التحالف السعودي والحكومة الموالية له، بعدما كان سعر الريال يساوي 250 مقابل الدولار قبل الحرب. وإلى جانب ارتفاع أسعار المواد الأساسية والكمالية كنتيجة لهذا الانهيار، عادت أيضاً أزمة المشتقات النفطية إلى أسواق صنعاء خلال الـ24 ساعة الماضية، نتيجة إحجام تجار المشتقات النفطية ـــ الذين يعملون وفق قرار تعويم المشتقات النفطية الصادر عن «اللجنة الثورية» العليا أواخر تموز الماضي ـــ عن البيع بالأسعار السابقة، ما أدى إلى نقص حاد في مادتي البنزين والبترول.
وأرجع اقتصاديون سبب ارتفاع الدولار إلى ارتفاع الطلب عليه من قبل التجار لاستيراد حاجاتهم لشهر رمضان، في ظل انخفاض الاحتياطي النقدي الأجنبي من 4,2 مليارات دولار أواخر عام 2014 إلى 2,1 مليار دولار أواخر العام الماضي، إلا أن مصادر أخرى عدّت ما حدث «اختراقاً خطيراً من قبل أدوات التحالف السعودي». فلقد جاء انهيار أسعار صرف العملة بعد موجة شائعات تبنّتها وسائل إعلام موالية للتحالف، الأسبوعين الماضيين، تحدثت فيها عن إفلاس البنك المركزي وعدم قدرته على دفع مرتبات موظفي الدولة. واتهمت البنك باللجوء إلى الاصدار النقدي لتغطية العجز، إلا أن البنك المركزي يطبع العملة في الخارج عادةً.
تحدثت وسائل إعلام موالية للسعودية عن إفلاس البنك المركزي

ونفى مصدر من البنك تلك الشائعات، مؤكداً أن المبالغ المالية التي صدرت إلى الأسواق من فئة 1000 ريال كانت في البنك غير مصدرة وطبعت في عهد الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي عام 2012 وتم تصديرها لتلبية احتياجات السيولة المحلية نظراً إلى شح الإيرادات المالية المحلية.
مصدر مسؤول في «اللجنة الثورية العليا» في صنعاء أكد أن ما تحدثت عنه وسائل الإعلام المؤيدة لـ«التحالف» هو «شائعات تأتي في إطار الحرب النفسية والاقتصادية التي تستهدف ثبات أسعار صرف العملة الوطنية واستهداف ما تبقى من استقرار معيشي للمواطن اليمني».
وكان الحصار الذي يفرضه التحالف منذ 16 شهراً قد أدى إلى توقف مصادر تمويل الخزينة بالعملة الصعبة، لا سيما في ظل توقف صادرات النفط والغاز ومنع تدفق تحويلات المغتربين وتوقف تمويلات المانحين.
كذلك، أدى استهداف «التحالف» البنية التحتية للقطاع الخاص الى ارتفاع الاعتماد على الاسواق الخارجية في تلبية الاحتياجات الأساسية من الغذاء والدواء والملابس، وهو ما تسبب في ارتفاع فاتورة الاستيراد وارتفاع الطلب على الدولار.
من جهة أخرى، أشار اقتصاديون إلى أن انهيار القيمة الشرائية للعملة اليمنية أمام العملات الاجنبية «حدث مؤقت»، ونتيجة طبيعية لغياب الرقابة المشددة على الأسواق الموازية التي تولّت الحرب الاقتصادية بالوكالة، مستغلةً الظرف الاستثنائي الذي يواجهه الاقتصاد الوطني. وأكد هؤلاء أن ما حدث أخيراً ناتج من عدم التزام جمعية الصرافين اليمنيين بالاتفاق المبرم مع البنك المركزي في 21 آذار الماضي، حين اتفق الطرفان على تحديد سعر العملة الوطنية في السوق الموازي بـ250 ريالاً للدولار للشراء و251 للبيع. كذلك، حدد سعر الريال السعودي بـ65.20 للشراء و65.70 للبيع من 58 ريالاً في السابق، للحدّ من المضاربة بالأسعار وإعادة ثقة العملاء بالشركات والمصارف العاملة في مجال التحويلات المالية.
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي وضاح المودع لـ«الأخبار»، أن السبب الرئيسي لارتفاع الدولار أمام العملة الوطنية هو الحصار الذي مارسته السعودية على البنوك التجارية اليمنية، إذ كانت هذه ترحّل منذ سنوات حوالات المغتربين اليمنيين وغالبيتها بالريال السعودي، لكون أكثر المغتربين في السعودية. وكانت البنوك ترحل العملة السعودية الفائضة بشكل يومي تقريباً إلى البحرين. ولكن منذ بدء الحرب تم منع ترحيل العملة السعودية إلى البحرين، حيث تتولى البنوك نقلها إلى السعودية وتحويلها إلى الدولار، ومن ثم تقيّد في حسابات البنوك التجارية اليمنية في البنوك الدولية. وأضاف المودع أن البنوك المحلية لم تستطع منذ بدء الحرب ترحيل مليار ونصف مليار ريال سعودي إلى البحرين. وبعد محاولات عدة، تم ترحيل نحو 330 مليون ريال سعودي كدفعة أولى في 18 آذار الماضي، إلا أن المبلغ أوقف في البنوك البحرينية بعدما تلقت هذه البنوك معلومات باحتجاز المبلغ من قبل السلطات السعودية ومصادرتها في حال وصولها. وأكد المودع أن تلك الحادثة أثارت حالة من الخوف في أوساط الصرافين والتجار في ظل ارتفاع الطلب على الدولار في السوق قبل رمضان.