بغداد | انسحبت أزمة «البرلمان المعطّل» في العراق إلى مجلس الوزراء، وصارت البلاد في مواجهة فراغ تنفيذي، إضافة إلى التشريعي. وبعد فشل دعوة رئيس البرلمان سليم الجبوري لالتئام المجلس، لم تجد الحوارات التي خاضتها القوى السياسية أيّ نتيجة، في ظل تعاظم حجم الجدل السياسي والقانوني بشأن الوضع التي عليه، الآن، السلطتان الأعلى في البلاد.وفي اعتقاد كثيرين أن الأزمة السياسية الحالية تعدّ الأولى لجهة تعقيداتها، لا سيما أن التداخل في المواقف يتجاوز ما عرف، لسنوات، بـ«توافق القوى الثلاث»، والمقصود منه اتفاق الكتل الرئيسية، الممثلة في هذه الدورة بـ«التحالف الوطني» و«اتحاد القوى العراقية» و«التحالف الكردستاني»، ذلك أن الملفات العالقة لا تقف عند الاتفاق الثلاثي. وهذا الأمر يتحدث عنه الباحث السياسي عمار المالكي موضحاً أنها «المرة الأولى التي لا تستطيع فيها الحكومة أن تعقد جلساتها، بسبب تعطّل البرلمان، فضلاً عن سكوت الدستور العراقي عن مثل هذه الحالات». المالكي قال لـ«الأخبار» إنّ «الأزمات، في السابق، كانت تحتاج إلى وقت حتى يتوافق الشيعة والسنّة والأكراد على حلّها، لكن الأمر حالياً مختلف، لأن القوى الممثلة لهذه الطوائف غير قادرة على الخروج برؤية واحدة في ما بينها، فكيف يمكن لها أن تتفق مع ممثلي المكونات الأخرى».
ويعود تعطّل مجلس الوزراء وعدم تحقّق الغالبية المطلوبة إلى سببين: الأول مقاطعة وزراء كل من كتلة «الأحرار» التابعة لـ«التيار الصدري»، و«التحالف الكردستاني»، والسبب الثاني هو استحالة حضور «الوزراء الجدد» ــ وعددهم خمسة ــ إلى الجلسة الأسبوعية، لأنهم لم يؤدوا «اليمين الدستورية»، وهو إجراء حصره الدستور العراقي بقبة البرلمان، ما يعني أن حضورهم مرهون باستئناف جلسات البرلمان، التي أوقفت، قبل 12 يوماً، إثر اقتحامه من قبل المتظاهرين.
وفي خطوة زادت من حدة الجدل القانوني، حاول رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، أول من أمس، تعويض أربعة من الوزراء الغائبين بإيكال مهماتهم إلى نفسه وإلى اثنين آخرين من زملائهم. فبعد حضور تسعة وزراء فقط (أي عدم تحقق النصاب المطلوب وهو 12)، أوكل العبادي وزارة النفط إلى نفسه، ومنح وزيرين وزارات أخرى، ليعلن مكتبه حضور 13 وزيراً من ضمنهم العبادي، ويحقّق النصاب.
يعوّل العبادي على كتلة الصدر لضمان نصاب جلسة البرلمان

لكن عدداً من النواب اعتبروا هذا الإجراء مخالفاً للقانون، وقالت النائب عن جبهة «النواب المعتصمين» عالية نصيف لـ«الأخبار»، إنّ «المادة السابعة من النظام الداخلي لمجلس الوزراء تشترط لنيابة وزير عن آخر، أن يكون الوزير المناب عنه إما بحالة مرض أو في إجازة رسمية».
وبما أن جلسة الثلاثاء من الأسبوع الماضي لم تعقد بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، فإن محاولة العبادي تندرج في إطار تلافي ما يشاع، وفق أحد الآراء القانونية، عن اعتبار الحكومة مستقيلة تلقائياً، في حال عدم نجاح مجلس الوزراء في عقد جلساته لثلاث مرات متتالية.
ولكن الأزمة تتشعّب إلى ما هو أبعد من ذلك، فهي بدأت باعتصام مجموعة كبيرة من النواب الذين ينتمون إلى كتل مختلفة، وسرعان ما تحوّلت إلى أزمة أخرى داخل الكتل الرئيسية، التي تشترك في رفض حركة الاعتصام النيابية. بمعنى أنها لن تتوقف عند إنهاء هذا المسألة فقط، أي ملف «النواب المعتصمين» الذين يطالبون بإنهاء «هيمنة المحاصصة»، بل تتخطاها إلى وجوب إقناع إما «كتلة الأحرار»، التابعة للصدر، بالقبول بخيار حكومة ليست تكنوقراط، أو إقناع «التحالف الكردستاني» بالتنازل عن وزرائه، والموافقة على تعيين بدلاء منهم من المستقلين. والمعروف أن «كتلة الأحرار» تتمسك بشرطها، حتى الآن، والمتمثل في تصويت البرلمان على تشكيلة حكومية كاملة من المستقلين في جلسة واحدة، الأمر الذي لم يتمكن البرلمان من القيام به في جلسة الثلاثين من نيسان الماضي، التي انتهت باقتحام المجلس من قبل المتظاهرين. وفي هذا الوقت، لا يزال «التحالف الكردستاني» الأكثر تشدداً في رفضه استبدال حصته من الوزراء بآخرين، مهدداً بقطيعة نهائية، في حال إقدام العبادي على مثل هذه الخطوة.
وكشف مصدر سياسي مقرّب من الحكومة العراقية عن مساعٍ لإقناع الصدر بحثّ كتلته على الحضور إلى جلسات البرلمان، من دون شرط مسبق، بهدف إنقاذ الحكومة من جدل الإقالة المتداول به حالياً. وأوضح هذا المصدر لـ«الأخبار» أن العبادي، بعد عدم نجاح رئيس البرلمان سليم الجبوري في إقناع القوى الكردية في أربيل والسليمانية بحضور جلسة البرلمان، بدأ يتحرك لدى «كتلة الأحرار» لضمان النصاب القانوني لجلسة واحدة في البرلمان، على الأقل، يجري فيها تأدية اليمين الدستورية للوزراء الخمسة الجدد.
ويتوقّع مراقبون أن «التحالف الكردستاني»، خصوصاً «الحزب الديموقراطي» بزعامة رئيس رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، لن يتراجع عن قرار مقاطعة البرلمان والحكومة في بغداد، وذلك بالنظر إلى مواقف القوى السياسية في الإقليم لأزمات سياسية مشابهة في بغداد. وفي هذا السياق، قال النائب السابق طه السعدي إن «مراجعة مواقف التحالف الكردستاني إزاء بغداد، لا تشير إلى إمكانية أن يتنازل هذا التحالف عن قراره، كونه يسعى دائماً إلى استغلال الأزمة في العاصمة العراقية، للحصول على مكاسب سياسية إضافية، فكيف يمكن إقناعه بأن يتنازل عن هذه المكاسب المتمثلة في مناصب حكومية». وشدد السعدي على أن «التعويل على إقناع الجانب الكردي أمر خاطئ»، معتبراً أن «الصحيح هو أن يتم إنقاذ الحكومة والبرلمان، بتحقيق النصاب القانوني عبر إقناع الأطراف الأخرى، ومنها كتلة الأحرار أو جبهة النواب المعتصمين».