القدس المحتلة | لا تزال الحرب الديموغرافية في القدس مستمرة بين العدو الإسرائيلي والمقدسيين، ولا يزال من يسميهم الناس «ضعفاء النفوس» من المقدسيين، يشكلون العون الأكبر للعدو في هذه الحرب. وسلاحه الذي لا ينضب في هذه المعركة… المال. فإذا مكّنت هذه الوسيلة إسرائيل من السيطرة على القدس بطريقة شرعية وأخذ بيوت المقدسيين بشرائها، فخزائن الدولة مفتوحة على مصراعيها.لم تكتف إسرائيل بالسيطرة على سبعين وحدة في بلدة القدس القديمة، حتى استولت أمس، على وحدة سكنية مكونة تضم ٢٥ شقة بالإضافة إلى مخزنين في حارة السعدية الواقعة في الحي الإسلامي بالبلدة، وذلك من طريق شراء جمعية «عطيرت كوهنيم» الاستيطانية المنزل من مالكه، فاروق اليوزباشي.
ففي الثانية والنصف من فجر أمس، اقتحم ٢٥ مستوطناً برفقة ثلاثة من حراس المستوطنين حارة السعدية، وفتحوا باب منزل اليوزباشي بالمفتاح الذي أعطاهم إياه، واعتلوا سطح المنزل المكون من ثلاث طبقات، ثم ركّبوا كاميرات مراقبة، بالإضافة إلى مطافئ الحريق وسياج حديدي.
ومنذ ما يقارب ثلاثة أشهر، بدأ اليوزباشي طرد شاغلي المنزل، فأخرج أرملة نجله وطفليها عنوة، وطرد ابنته المطلقة التي كان قد أسكنها في غرفة من البيت بعد طلاقها، ثم أخرج شقيقه نبيل بعدما اشترى حصته من البيت، وأخيراً طرد ابنه رامي وأسرته المكونة من ثمانية أفراد.
وقبل تسليم البيت للمستوطنين بيومين، اختفى فاروق وعائلته جميعهم عن أنظار أهل الحي، بعدما رفض قبل اختفائه إعطاء رقم هاتفه النقال لأي أحد من السكان. وسرت شائعات قبل اكتشاف هوية الشراة الحقيقية، أن اليوزباشي باع منزله لعائلة عربية. لكن عند استفسار الجيران عنهم كان يتهرب دائماً من ذكر الاسم أو الحديث عن بيعه البيت، إلى أن اكتشفوا أنه باعه لـ «عطيرت كوهنيم».
ويشكل موقع البؤرة الاستيطانية المسربة مكاناً استراتيجياً للمستوطنين، لكون البيت يقع على مرتفع، ويكشف من على سطحه المسجد الأقصى وساحاته، خاصة صحن قبة الصخرة، كذلك يطل على حيّ باب حطة وحارة النصارى وبيوت طريق الواد. وهو يتوسط بيوت المقدسيين في حارة السعدية ويطل على شقي الحارة. كذلك فإن البيت امتداد للبؤر الاستيطانية الثمانية في ذلك الحيّ، التي بدأ الاحتلال السيطرة عليها منذ عام 1987.
«تسريب بيت اليوزباشي ضربة قاصمة لحارة السعدية، لكون العقار كبيراً، ويتبين من الخرائط أن الاحتلال بدأ بوضع نقاط ارتكازية لتوسيع انتشاره في تلك المنطقة بعد سيطرته على بيوت قرش (حنظلة) وجابر وإدريس وأخيراً اليوزباشي، ما يعني أنه بدأ الانتشار والتوسع بين تلك البؤر»، يقول مدير «مركز الخرائط في بيت الشرق»، خليل التفكجي، لـ «الأخبار».
ويضيف التفكجي: «يخطط الاحتلال لفتح نفق أسفل حارة السعدية، وباب الساهرة يصل بيت البؤر الاستيطانية داخل البلدة بالبؤرة الاستيطانية التي استولت عليها عطيرت كوهنيم عام 2014، وتسمى بمبنى البريد، وهي تقع على بعد أمتار قليلة من باب الساهرة أحد أبواب سور القدس القديمة».
الحرب الديموغرافية لا تقتصر على تسريب البيوت للمستوطنين فقط، فسياسة مصادرة الأراضي التي تتبعها سلطات العدو جزء من هذه الحرب، وذلك ما حدث مع عائلة أبو طاعة التي صودرت منها أخيراً أرض مساحتها ثلاثة دونمات في منطقة الشيخ جراح، عبر إجراءات التفافية وبيروقراطية. من ثم سلمت السلطات الإسرائيلية الأرض لشركة «أمانا» التي تعمل على إقامة مستوطنات عشوائية على الأراضي المسلوبة.
ووفق صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية فإن مصادرة أرض أبو طاعة والتصديق على البناء الاستيطاني فيها «جاء دون علم أصحاب الأرض»، بعدما أعيد رسم خريطة قسائم الأرض من أجل شرعنة مصادرتها والبناء عليها.
بالعودة إلى البلدة القديمة، فإن عدد المستوطنين الذين يسكنون في البؤر الاستيطانية الموزعة في الحي الإسلامي والمسيحي يقارب الألف، وإذا أضيفوا إلى المستوطنين الذين يعيشون في الحي اليهودي المقام على أنقاض حي المغاربة، يصل عددهم إلى أربعة آلاف مستوطن.