يبدو أن «مؤتمر الرياض»، الذي انطلقت أعماله يوم أمس، لن يعدو كونه «إعادة ترسيم» لخطة عمل العدوان على اليمن، في انتظار انعقاد مؤتمر الحوار اليمني في العاصمة السويسرية جنيف، نهاية الشهر الجاري، حيث من المفترض أن تنطلق العملية السياسية التي ستقرر مستقبل الحكم في هذا البلد؛ فالمؤتمر الذي يُنهي أعماله غداً، لا يبدو أنه سيخرج بجديد على صعيد مآلات العدوان أو أفقه، بل يأتي أشبه باجتماع موسع لدول مجلس التعاون الخليجي ولشخصيات يمنية مؤيدة للعدوان، مشكلاً «تظاهرة سياسية» من لون واحد، من دون أن يمتّ حقيقة للحوار اليمني بصلة، كما أنه يلبي بالدرجة الأولى تطلعات السعودية بإظهارها «الوصيّ» الأول على الملف اليمني، والمرجعية الوحيدة الممسكة بمفاصله!
ورغم اعتراض جماعة «أنصار الله» على المشاركة في «المؤتمر» ورفضها من الأساس فكرة انعقاده التي تمعن في الانتقاص من السيادة اليمنية، فإن المؤتمر الذي دعا الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي إليه منذ كانون الثاني الماضي، باشر أعماله، ومن المقرر أن يبحث غداً في ثلاثة ملفات: الملف السياسي وتطبيق قرارات مجلس الأمن بشأن اليمن، والملف الاقتصادي المتمثل بإعادة الإعمار، والملف الأمني الذي يشمل كيفية تشكيل جيش يمني جديد.
وصلت أمس السفينة
الإيرانية المحملة بالمساعدات
إلى خليج عدن

رئيس الحكومة المستقيلة خالد بحاح كشف أن أحد الحلول المطروحة للأزمة هو «فصل الجنوب وليس انفصاله بدولة مستقلة»، ما يحيل ذلك مجدداً على أجندات تقسيمية سابقة أثير النقاش بشأنها مع انتقال هادي إلى عدن، ومحاولاته الحثيثة للفصل بين الشمال والجنوب، ثم تكريس الماكينة الإعلامية المواكبة للعدوان لخطاب الفصل بين المحافظات الجنوبية والشمالية. وقد أوضح بحاح، في تصريحات على هامش المؤتمر، أن تعيينات القادة العسكريين التي قام بها هادي في الآونة الأخيرة، تهدف إلى «جمع ﻛﻞ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜرية ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻭمة ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ لتكون ﺟﺰﺀاً ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﻴﺞ ﺍﻟﻮطني ﺍﻟﻘﺎﺩم»، وذلك في ظلّ ازدياد النقاش داخل الدوائر اليمنية بشأن قيام إدارات ذاتية، ولا سيما في مناطق الجنوب، كجزءٍ من صيغة الحكم المقبلة في اليمن.
كذلك حدّد بحاح مرتكزات ثلاثة للمؤتمر، الذي حضرته شخصيات تمثل معظم الأحزاب اليمنية بما فيها «الإصلاح» (الإخوان المسلمون) و«المؤتمر الشعبي العام» (قيادات منشقة عن الرئيس السابق علي عبد الله صالح)، وهي: المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن المتعلقة باليمن تحت الفصل السابع، إذ تذهب التحليلات إلى أن مخرجات المؤتمر ستكون ورقة الرياض الأساسية خلال المؤتمر المرتقب في جنيف.
ومساء أمس، انتهت المهلة المحددة للهدنة الإنسانية من دون تجديدها (حتى كتابة النص)، رغم دعوة المبعوث الدولي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ (أثناء المؤتمر)، إلى تحويل الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق نار، ولكن فريق هادي أكد أن تمديد مهلة الهدنة «يتوقف على الوضع على الأرض». وكانت كلمة ولد الشيخ قد أثارت نقاشات بين المشاركين، على خلفية دعوته إلى «استئناف المحادثات في جنيف نهاية الشهر الجاري»، في إشارة إلى الحوار اليمني الذي رعاه المبعوث السابق جمال بن عمر في صنعاء حتى بدء العدوان، الأمر الذي ترفضه الرياض وفريقها جملةً وتفصيلاً، لأنهم يتطلعون إلى إلغاء كل الاتفاقات السابقة منذ تاريخ سيطرة «أنصار الله» على صنعاء في أيلول الماضي. وقال ولد الشيخ في هذا الصدد: «نحتاج إلى المرونة وأذهان متفتحة... نحتاج إلى أن يأتوا بذهن متفتح وبلا شروط مسبقة».
أما عبد ربه منصور هادي، فقد «بشّر» بعودة حكومته إلى صنعاء وعدن «قريباً». وجدد في الجلسة الافتتاحية هجومه على «أنصار الله» التي سمّاها بـ«الميليشيات الانقلابية»، قائلاً إن «مصير الهمجية لم يكن يوماً غير مزبلة التاريخ». كما وصف «مؤتمر الرياض» بأنه «المحطة الرئيسية بعد الانقلاب على الشرعية من صالح والحوثيين»، مضيفاً إن الهدف منه «استعادة الدولة اليمنية». وشكر هادي، المقيم في الرياض، السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، على مواقفها و«التدخل السريع بعاصفة الحزم لاستعادة الشرعية والمدن اليمنية».
في السياق نفسه، حدّد رئيس الهيئة الاستشارية لمؤتمر الرياض، عبد العزيز جباري، هدف الاجتماع، بالقول إنه «ليس فقط إسقاط الانقلاب، بل تنفيذ مخرجات الحوار الوطني»، الذي كان أكثر بنوده محلّ خلاف، البندُ المتعلق بتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم.
من جهة أخرى، وصلت السفينة الإيرانية المحملة بالمساعدات إلى خليج عدن أمس، على أن تصل إلى ميناء الحديدة في 21 أيار الجاري، بعدما ظلّ دخول السفينة إلى اليمن مثار جدل وخلاف في الأيام الماضية. وفي السياق، أكد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي، أن السعودية لن تستطيع إعاقة رسو السفينة على ساحل اليمن. وقال بروجردي إن الردّ الإيراني سيكون «جاداً وحازماً» على أي عراقيل تضعها من وصفها بـ«الدول المعتدية» أمام حركة السفينة الإيرانية.
على الصعيد الميداني، وفي اليوم الأخير (المفترض) من الهدنة، تواصلت الاشتباكات في مدينة تعز (وسط) بين الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» من جهة، والمجموعات المسلحة الموالية لهادي ولحزب «الإصلاح» من جهة أخرى. ووفق مصادر طبية، فإن الاشتباكات أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص. كذلك، وقعت مواجهات في مدينة الضالع الجنوبية ليل أول من أمس، في حين أن تنظيم «القاعدة» في حضرموت قال إنه «أسر» 20 عسكرياً في مدينة المكلا التي يسيطر عليها منذ نيسان.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)