جلبة جديدة يحدثها النظام المصري بعد قرار محكمة مصرية إعدام الرئيس الإسلامي المعزول، محمد مرسي، في قضية هرب من السجن خلال ثورة عام 2011، وإلى جانبه الصف الأول من وجوه الحكم الإخواني قبل نحو عامين. ومع أن الحكم أحدث ردود فعل دولية وخاصة من تركيا، عدا صمت خليجي و«حياد» أردني، فإن رداً «شبه رسمي» من القاهرة قال إن المعترضين «يجهلون» الإجراء الذي جرى (إحالة أوراق المتهمين لأخذ رأي المفتي)، كذلك رأى أن في الانتقاد «انتقائية واضحة وتدخلاً صارخاً في الشأن الداخلي».
ويبدو واضحاً أن للحكم أبعاداً سياسية في حال مقارنته بالأحكام التي أصدرها القضاء على رئيس حكم البلاد ثلاثين عاماً (حسني مبارك) هو وعائلته، فيما يصدر أشدّ الأحكام على رئيس حكم البلاد سنة واحدة (محمد مرسي)، رغم ما شابها من اضطرابات ومحاولة لحرف مصر صوب مشروع «إخواني» كان «يتّسع» في الدول العربية بالانتخابات أو بالسلاح، على حدّ سواء! كذلك فإن ما يؤكد وجود تلك الدلالة السياسية، الحكم في القضية نفسها (الهرب من سجن النطرون، الواقع بين الإسكندرية والقاهرة) على شهداء وأسرى فلسطينيين، فضلاً عن لبنانيين ينتمون إلى حزب الله، علماً بأن المحكمة ستصدر قراراً آخر بحق مرسي تحت طائلة «التخابر مع جهات خارجية» في وقت لاحق، وقد يكون حكماً مشابهاً لما صدر أول من أمس.
لم تكن ردود الفعل على مستوى رسمي عال، وكذلك التعليق المصري عليها

في الوقت نفسه، فإن حكماً مثل هذا، يعلم القائمون في القاهرة أنه يستفز حلفاء «الإخوان»، ولا سيما قطر وتركيا، في الوقت الذي تشكل فيه تلك القوى مع مصر صفاً معاوناً للسعودية في حربها على اليمن، وهو ما يمكن أن يقرأ منه «رسالة اعتراض» لا يُعرف أسبابها بعد. ومما فيها أيضاً أنها «ضربة سياسية» لحركة «حماس» في غزة، التي بقيت تردد طوال الأسابيع الماضية أن ثمة انفراجاً في العلاقة مع القاهرة، عبر خط الرياض، لكن أي تراجع مصري عن القرار القضائي سيعني كذلك أن ثمة «جميلة» يحملها النظام المصري مجدداً لـ«حماس»، إذ إنها ليست المرة الأولى التي يُتّهم فيها شهداء وأسرى فلسطينيون، وسبق ذلك إقرار محاكم مصرية بـ«عدم الاختصاص» في قضايا اتهمت الحركة فيها، فيما رأت الأخيرة أن ما كان هو «إنجاز وخطوة إلى الأمام في العلاقة بمصر»!
بالعودة إلى القرار، فإن مرسي الذي كان موجوداً خلف القضبان داخل المحكمة حينما صدر الحكم، لن يكون إذا لم ينفذ القرار بأحسن حال، إذ إنه محكوم بالسجن لعشرين عاماً (الشهر الماضي)، بتهم «استعراض القوة والعنف واحتجاز وتعذيب» متظاهرين في 2012. وبشأن الإحالة على المفتي، فإن القانون المصري ينص على أن الإعدام لا يصدر من محكمة الجنايات، عادة، من دون إجماع كامل أعضائها. وينص أيضاً على وجوب إحالة الأوراق على المفتي للوقوف على صحة القرار شرعياً، بسبب حساسية هذه الأحكام. لكنّ مراقبين واختصاصيين يؤكدون أن رأي المفتي استشاري ويستأنس به وليس ملزماً، فيجوز للقاضي الأخذ به أو العكس.
وفي حال اختلف رأي المفتي مع القاضي يؤخذ برأي الأخير، وترفع القضية إلى محكمة النقض، فإن رأت الأخيرة قصوراً في الدفاع تحيل ملف القضية على دائرة أخرى تقلب الأوراق من جديد وتصدر الحكم، ثم تعيده مرة أخرى إلى المفتي، فإذا رفض الأخير التوقيع على الإعدام وبقي رأيه مغايراً، ترفع القضية إلى رئيس الجمهورية ليبتّها.
وباستثناء اعتبار مرسي الرئيس الأول في تاريخ مصر الذي تحال أوراقه على المفتى، برزت إحالات أخرى لافتة طالت خمسة متهمين في قضيتي «التخابر الكبرى» و«اقتحام السجون» التي تصدى لها قاض واحد، وهم أول رئيس برلمان بعد ثورة يناير سعد الكتاتني (كان رئيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن «الإخوان» وقد حُلّ العام الماضي)، وأيضاً نائب مرشد «الإخوان»، خيرت الشاطر، ونجله حسن (هارب)، وكذلك وزير الإعلام إبان حكم مرسي صلاح عبد المقصود، ورئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» يوسف القرضاوي (خارج مصر)، كذلك ضمّ العضو في «الحرية والعدالة» سندس عصام (هاربة).
إثر ذلك، أعرب مسؤول أميركي، أمس، عن «قلق كبير» لبلاده بسبب حكم الإعدام الصادر بحق مرسي وأكثر من مئة متهم. وقال المسؤول في الخارجية الأميركية، بعدما طلب إخفاء هويته: «دوماً نندّد بالمحاكمات والأحكام الجماعية التي تجري بصورة لا تنسجم مع واجبات مصر الدولية ودولة القانون». وقد نُقل بالطريقة نفسها (غير مباشرة) عن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، تعبيره عن «القلق البالغ» من الخبر، وذلك عبر نائب المتحدث باسمه، فرحان حق. وقال حق إن «بان أكد موقف الأمم المتحدة المناهض لعقوبة الإعدام». وفي الوقت نفسه، رأت منظمة «العفو» الدولية أن إحالة مرسي على المفتي «تمثيلية تستند إلى إجراءات باطلة»، مطالبة بالإفراج عنه أو «إخضاعه لمحاكمة عادلة».
ومن أصحاب الشأن الصادرة في حقهم الأحكام، كان أبرز تعليق للقرضاوي الذي استنكر إحالة ملفه ومرسي على المفتي، معتبراً أنها أحكام «لا يمكن أن تنفذ لأنها ضد سنن الله في الخلق، وضد قوانين الناس وأعراف الناس وأخلاق الناس... لا يقبلها أحد».
في المقابل، قالت مصادر في القاهرة إن ردود الفعل الدولية «تعكس ازدواجية المعايير، كما تعكس انتقائية واضحة؛ فالعديد من الدول التي تدّعي الديموقراطية تعتقل الأفراد لسنوات دون محاكمة»، وأضافت أن هذه الإدانات «تدخّل غير مقبول في عمل القضاء، بل تعكس جهلاً وعدم دقة». الحديث المصري جاء على لسان «الهيئة العامة للاستعلامات»، وهي هيئة توصف بأنها جهاز الإعلام الرسمي للدولة، ما يعني أنه حتى كتابة النص لم يصدر حديث رسمي على مستوى الرئاسة أو وزارة الخارجية، في مقابل أن الردود الدولية لم تكن مباشرة أصلاً، ما عدا تركيا. ولكن الهيئة رأت أنه لا يجوز «التعليق على أحكام السلطة القضائية من جهات أجنبية أو محلية».
وعشية صدور هذه الأحكام، عُلم أن قوات الأمن وضعت في حالة تأهب في مناطق عديدة، وخصوصاً في سيناء، وذلك في وقت قضت فيه محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بحظر روابط مشجعي كرة القدم وروابط الألتراس داخل الجمهورية.
إلى ذلك، كلف رئيس الحكومة المصرية، إبراهيم محلب، وزير العدالة الانتقالية الوزير إبراهيم الهنيدي، بمهمات وزير العدل، الذي تقدم باستقالته الاثنين الماضي، على خلفية اعتراضات شعبية وإعلامية على تصريحات سابقة له، وذلك حتى تعيين وزير جديد لحقيبة العدل.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)




شهداء وأسرى في قائمة الإعدام!


قال مسؤول أمني في غزة، إنّ قائمة المتهمين الفلسطينيين المُحالة أوراقهم من محكمة مصرية على المفتي لاستطلاع الرأي في إعدامهم، بينهم خمسة شهداء وأسير واحد. وقال وكيل وزارة الداخلية التي تُشرف عليها حركة «حماس»، كامل أبو ماضي، إن القائمة تضم خمسة أشخاص قتلوا على يد الجيش الإسرائيلي، فيما فارق ثلاثة آخرون الحياة لأسباب أخرى.
ومن الشهداء والأموات الثمانية ثلاثة فارقوا الحياة قبل عام 2011، إضافة إلى الأسير حسن سلامة المعتقل منذ 1996، والمحكوم بالسجن مدى الحياة.
وقد أثار الحكم استنكاراًَ من الفصائل الفلسطينية التي رأت أن «إحالة 73 فلسطينياً على المفتي أمر «مسيء للدور المصري».
(الأناضول)