القاهرة | هي علامة من علامات غضب الثورة وثوارها، تقف على كورنيش النيل شاهداً على أحداث لا يمكن أن ينساها التاريخ، أحداثٌ قد غيّرت شكل الدولة وخلقت روحاً أنعشت الجسد المصري، برغم المؤشرات التي تؤكد العودة إلى ما قبل 25 كانون الثاني 2011.يمكن وصفه بأنه رمز من رموز نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، أو القول بكل بساطة إنه مقر «الحزب الوطني»، الذي كان حاكماً بصورة مباشرة، قبل الثورة، وأحرقه الثوار في جمعة الغضب في 28 كانون الثاني من ذلك العام.
الآن، قررت الحكومة هدم الرمز وتحويله إلى أي شيء آخر، برغم الدعوات الكثيرة التي طالبت بالحفاظ عليه، وفق شكله الحالي، تخليداً للذكرى ودليلاً على ثورة شعبية حقيقية، أحرقت الرمز الذي كان يمثله.

بعد ثورة يناير مباشرة، وأثناء تولي عصام شرف رئاسة الحكومة، تلقى الأخير مشروعاً لتخليد المبنى وتحويله إلى متحف يحكي عن الثورة وشهدائها، ووضع أسماء الشهداء على لوحات رخامية في ميدان التحرير.
صاحب المشروع قال، آنذاك، إن فكرته تقوم على كسو مبنى «الحزب الوطني» من الخارج بغطاء من الزجاج الشفاف، يتيح بقاء آثار الحريق التي تلوّن المبنى، كشاهد عيان على إحدى المحطات المهمة في مسيرة الثورة، على أن يجري ترميم المبنى وتجديده من الداخل وتكييفه مركزياً، ليتحول إلى متحف يعرض كل ما له علاقة بالثورة، كمقتنيات الثوار وملابس الشهداء عند استشهادهم.
دخل المشروع درج الحكومة ولم يخرج منه، حتى الآن، ولا يعرف أحد أين هو أو إلى أين وصل؟
في ذكرى الثورة، بداية هذا العام، كشفت وزارة العدالة الانتقالية ملامح مشروع قانون المفوضية الوطنية للعدالة الانتقالية، وأوضحت أنه سيتضمن مادة تتيح إنشاء متحف لتخليد الذكرى، على غرار المتحف الموجود في جنوب أفريقيا، مشيرة إلى أن المكان المقترح للمتحف هو مقر «الحزب الوطني» في كورنيش النيل.
أما الآن، فقد سحبت الحكومة كل ما له علاقة بتخليد ذكرى الثورة، وقررت بصورة نهائية هدم المبنى، وكلّفت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة إتمام العملية، فأرسلت إحدى الشركات التابعة للهيئة معداتها لبدء أعمال الهدم رسمياً خلال 10 أيام، ابتداءً من يوم أمس، على أن يكون استخدام الموقع بعد ذلك، بقرار من مجلس الوزراء، كفندق سياحي أو غير ذلك!
هدم هذا الرمز هو تعبير آخر عن الطريق الذي تسير فيه الدولة، منذ إطاحة حكم حسني مبارك، إذ تقوم بتشويه كل ما له علاقة بالثورة، بدءاً بالمشاركين فيها وصولاً إلى مساندة بعض الأصوات التي ترى أن الثورة «مؤامرة كونية كان هدفها تخريب البلاد وقامت بها مجموعة من العملاء والخونة»، وذلك في الوقت الذي تحافظ فيه دول أخرى ــ شهدت ثورات ــ على بقايا الرموز الحاكمة السابقة، لتكون عبرة لشعبها... وحكامها.