بغداد | تطورات دراماتيكية غير مسبوقة شهدتها محافظة الأنبار ومركزها الرمادي منذ ساعات متأخرة من مساء الخميس، انجلت حتى ساعات عصر أمس عن سيطرة «داعش» على المجمع الحكومي، معلنة بذلك سقوط المدينة سقوطاً شبه نهائي بعد محاصرتها لمبنى مجلس المحافظة وقيادة الشرطة ورفع رايتها فوق تلك المباني.
بداية، الهجوم كان شرساً ومباغتاً، حيث أرسلت «داعش» سبع سيارات مفخخة يقودها انتحاريون لاستهداف الثُّكَن والمقارّ العسكرية في منطقة الجمعية المحاذية للمجمع الحكومي وسط المدينة، أدى انفجارها إلى مقتل وإصابة العشرات من الجنود والضباط ومقاتلي العشائر، ومن بين المصابين آمر فوج طوارئ ناحية البغدادي العقيد شعبان العبيدي، كما كشف لـ«الأخبار» ضابط رفيع في قيادة شرطة الأنبار.
وأضاف الضابط أنه تلا الهجوم الانتحاري محاصرة لمن نجا من التفجيرات حيث أعدم «داعش» أكثر من 70 فرداً مع عوائلهم ذبحاً وحرقاً. فيما كشف مصدر محلي في المحافظة لـ«الأخبار» عن وصول أعداد الذين أعدمهم «داعش» في المناطق التي سيطر عليها إلى 200 شخص.
أكثر من 700 عائلة محاصرة في ناحية البغدادي تواجه خطر «الإبادة» على يد «داعش»

ومع تسارع الأحداث، استطاع عناصر التنظيم فرض سيطرتهم الكاملة على مناطق الجمعية والبو علوان والثيلة وشارع 17 بالكامل. وتمكن التنظيم عصراً من السيطرة على المجمع الحكومي وسط المدينة ومبنى المحافظة ومقر قيادة شرطتها، ورفع علمها فوق تلك البنايات، فيما دخل المحافظ صهيب الراوي في اجتماع أمني مغلق.
ولم يكتف «داعش» بما سيطر عليه من مناطق ومقار حكومية، حيث بدأ يحشد صوب ناحيتي الخالدية والحبانية التي تضم قواعد عسكرية مهمة والمأهولة بالمدنيين والمكتظة بالعوائل النازحة، ما دفع الولايات المتحدة إلى إخلاء بعض القواعد هناك من مستشاريها، بحسب ما ذكر مصدر أمني لـ«الأخبار»، أكد أيضاً هرب عدد من القيادات الأمنية البارزة.
في هذه الأثناء، بدأت موجة نزوح جديدة من الرمادي التي شهدت عمليات نزوح كبيرة قبل نحو شهر، سرعان ما عادوا إلى مناطقهم بعد استتباب الأمن فيها. وقدر مسؤول محلي في المحافظة عدد الذين نزحوا خلال الساعات الماضية بأكثر من 1000 عائلة، داعياً إلى ضرورة أن يكون هناك تدخل سريع لإنقاذهم وإيوائهم.
وإلى الغرب من مدينة الرمادي، وتحديداً ناحية البغدادي، فرضت «داعش» ما يشبه الطوق على الناحية، بعد السيطرة على واحدة من أهم مناطقها المسماة «جبة» وقصفها بقذائف هاون.
وأعلن مسؤول إداري محلي لـ«الأخبار» وجود أكثر من 700 عائلة محاصرة في الناحية تواجه خطر «الإبادة» في حال تمكُّن «داعش» من الدخول إلى الناحية والسيطرة عليها.
التطورات المتسارعة في الأنبار دفعت رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى عقد اجتماع «مهم» مع القيادات الأمنية، بحضور وزيري الداخلية محمد الغبان، والدفاع خالد العبيدي. وأوضح بيان لمكتب العبادي أن رئيس الحكومة أوعز إلى المسؤولين الأمنيين ببذل المزيد من الجهود لمحاربة «داعش» وطردها من المدن، ولا سيما في المناطق التي تسيطر عليها. وأعلنت وزارة الدفاع شن قوات الجيش عمليات مباغتة في الرمادي بعد وصول تعزيزات عسكرية إلى هناك.
المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية وقيادة العمليات المشتركة، العميد سعد معن، أكد في بيان مباشرة القوات المسلحة العراقية من جيش وشرطة وبمساندة أبناء العشائر ومشاركة طيران «التحالف الدولي» المباشرة بهجوم مضاد لتطهير الأحياء التي تسللت إليها «داعش» في الرمادي.
وأكد معن أن «القيادة المشتركة باشرت بإرسال تعزيزات جديدة لدعم هجوم قواتنا ومساندة العشائر الوطنية الأصيلة في مواجهة تعرضات مجاميع داعش الإرهابية المتسللة».
بموازاة ذلك، كشف عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب، محمد الكربولي، أن جميع التقارير والمعلومات المتوافرة لدى قيادة العمليات المشتركة أكدت نية «داعش» القيام بعمليات ضد القوات العسكرية في مركز الرمادي دون ان يكون هناك أي تحرك جدي لتعزيز المقاتلين أو تجهيزهم أو حتى تكثيف الضربات الجوية على مراكز ومواقع تجمعهم. الكربولي حذر في حديث لـ«الأخبار» من أنه إذا لم يوقف اجتياح «داعش» للأنبار، فإن ذلك يهدد العاصمة بغداد وكربلاء ومحيطهما.
من جهته، رأى استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، إحسان الشمري، أن معركة الأنبار الحالية ستحدد مستقبل العبادي ومصير حكومته، الأمر الذي يتطلب منه اعتماد استراتجية جديدة. الشمري أوضح في حديث لـ«الأخبار» أن المنتظر حالياً هو أن تتدخل واشنطن بالدعم اللوجستي والضربات الجوية «لأن العبادي التزم عدم اشراك الحشد الشعبي في معركة الأنبار».
ويعتقد الشمري أن مثل هذا الانهيارات والانتكاسات تبدو طبيعية «نظراً إلى التراخي في القرار السياسي والأمني العراقي وعدم حشد الإمكانات لمعركة الأنبار من قبل الحكومة العراقية من ناحية الدعم اللوجستي للقوات العراقية، فضلاً عن التردد في إشراك فصائل الحشد الشعبي وعدم وجود تنسيق عالي المستوى وسريع مع التحالف الدولي». ويلفت الشمري إلى أن «داعش» وضعت كل إمكاناتها لعدم خسارة الأنبار، إذ تعدها المعركة النهائية بالنسبة إليها.
إلى ذلك، دعت المرجعية الدينية العليا عبر ممثلها المعتمد الشيخ عبد المهدي الكربلائي إلى بناء المؤسسة العسكرية في ضوء المعايير والضوابط المهنية، وذلك مع قرب حلول الذكرى الاولى لسقوط الموصل وعدد من المدن الشمالية بيد «داعش» في حزيران العام الماضي، داعياً جميع القوى التي تقاتل الإرهاب إلى تنسيق جهودها والتعالي عن المصالح الفئوية.