عاد المنظّر «القاعديّ» البارز، عبدالله بن محمد ليستكمل سلسلة مقالاته الأخيرة، التي شكّلت قراءة جديدة لأسلوب عمل «تنظيم قاعدة الجهاد» وتوسيع حلقة مشروع «الجهادي العالمي». ابن محمد، الكاتب السعودي الذي ينشر بشكل دوري مقالات تنظيرية لـ«التيار الجهادي»، كتب مقالاً جديداً بعنوان «التمكين في العصر الحديث».في مقالاته الجديدة، قدّم «ابن محمد» ما يشبه القراءة النقدية لتجربة «القاعدة» في السنوات الماضية. وفي آخر هذه المقالات، يرسم المنظّر طريقة «التمكين الجديدة». يرى أن التمكين لا يكون حصراً عبر السيطرة العسكرية، بل إن الحل الأنجع برأيه «هو ببناء النفوذ والإصلاح من الداخل»، أي ضمن الدولة التي ينتشر على أرضها أيٌّ من التنظيمات «القاعدية».

ولكي يعطي لنظرياته غطاءً دينياً، يتذرع ابن محمد بأن «أنماط التمكين لا تتكرر مع اختلاف الظروف السياسية أو الشرعية فقط، بل ومع تطور آليات التمكين كلما تطورت الحياة وثقافة البشر». يقارن كعادته حدثاً تاريخياً، ليسقطه لاحقاً على الظرف الحالي. وفي مقاله الأخير، يعتمد الكاتب تجربة صلاح الدين الأيوبي وكيفية تغلغله في الدولة الفاطمية، ليسيطر لاحقاً على مصر.
جاء مقال ابن محمد استكمالاً لمقالين سابقين له. الأول بعنوان «حرب العصابات السياسية» والثاني عن «صناعة القرار الجهادي» طالب فيه بعدم ترك صناعة القرارات في التيارات «القاعدية» بين أيدي رجال الدين أو «الشرعيين».
وكلام ابن محمد، بحسب أحد الشرعيين البارزين في «تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام ـ جبهة النصرة»، يحظى باهتمام واسع من قبل القيادات «القاعدية» المختلفة. وأبرز ما نُشر له سابقاً، السلسلة التي تحمل عنوان «المذكرة الاستراتيجية» عام 2011، والتي باتت تعدّ «دستور» عمل جماعات «القاعدة» في المشرق العربي. وفي هذه « المذكرة» طرح ابن محمد «استراتيجية التحرك في نظرية الذراعين»، لاحتواء أرض الحرمين (السعودية)، من خلال السيطرة على سوريا واليمن.

مشكلة عند «القاعديين»

يطرح ابن محمد مشكلةً يعاني منها «القاعديون»، وهي الفهم «البسيط» لمصطلح «التمكين»، معتبراً أن «التيار الجهادي» يختصر هذا المصطلح في «السيطرة المسلحة، بعد أي انتصار عسكري في أي بلد، موجباً على نفسه إقامة الشرع». يبيّن «المنظّر القاعدي» كيف فهمت التيارات «القاعدية» مصطلح «التمكين على المستوى العسكري وليس السياسي». وبحسب ابن محمد، فإن الفهم الخاطئ للمصطلح وتطبيقه، جعل هذه التيارات عاجزة أمام ناسها وجمهورها، ورسمت «صورةً سلبية للشريعة الإسلامية في أذهان الناس». لكن نظريته لا تعني التخلي عن السلاح. وفي سبيل توضيح فكرته، يضرب مثل «الإخوان المسلمين» في كل من مصر واليمن. ففي الدولتين، مكّن التنظيم لنفسه سياسياً، من دون «تمكين» عسكري، ففشلت التجربتان.
مشكلة أخرى يراها الكاتب في «التيار الجهادي»، وهي «إلغاء سُنّة التدرج». فالتيارات السابحة في فلك «القاعدة»، «تقفز لدرجة عالية من التمكين من دون وجود أرضية لها»، بسبب استخفاف «المدرسة الجهادية» بمصطلح آخر هو « التدرج»، الذي هو «سُنّة كونية ثابتة». المنظّر «القاعدي» يرى أن «المجاهدين» على الرغم من تبنّيهم مبدأ الانقلاب على الواقع، لا ينجحون «لتفريطهم في سنّة التدرج».

الحل يتناغم مع الواقع

يطرح صاحب «المذكرة الاستراتيجية» نموذج حكم «الطالبان»، الذي «تمكّن» من أرض أفغانستان، لتحقيقه شروط الدولة الثلاثة: «السلطة الشرعية، الحكومة القادرة على تقديم الخدمات للشعب، والاعتراف الدولي كي تتعامل مع محيطها». الاعتراف الدولي الأبرز جاء من السعودية حسب ابن محمد. الكاتب يرى أن على «المجاهدين» في «العصر الحديث التحرك بطريقة مشابهة لما قام به صلاح الدين في مصر من بناء النفوذ والإصلاح من الداخل أولاً، والدخول في ترتيباتٍ سياسية مع بقية القوى تحت سقف شرعي مقبول ثانياً، والاعتراف بقوة «التيار الجهادي» كقوةٍ ثالثاً».
خلاصة فكرة ابن محمد، العمل وفق رؤية سياسية لا عسكرية، تحت سقف شرعي، ولكن من دون تدخل «المشايخ»، لتحقيق «التمكين» المختزل بعنصرين أساسيين: التغلغل والنفوذ في الدولة، ليتم السيطرة عليها لاحقاً، وتحقيق الاعتراف الدولي بالوجود. قد لا تتخطى هذه الفكرة الإطار النظري، إلا أنها قد تتحول إلى سلوك في بعض الدول التي تنشط فيها الجماعات «القاعدية».