القاهرة | حالة من التصدع يشهدها تحالف «30 يونيو». برزت بشدة بعد ظهور التسريبات الأخيرة التي ضمت تصريحات وألفاظاً خارجة من رئيس أقدم حزب ليبرالي في مصر (الوفد) وأحد رجال الأعمال الداعمين وحزبه للنظام الذي أنتجته أحداث «30 يونيو»، السيد البدوي، في وقت يسعى فيه رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي إلى رأب صدع التحالف، بعدما التقى البدوي وأطراف الأزمة داخل الحزب نفسه.بدأ الصراع مع البدوي، أحد أجنحة تحالف «30 يونيو» وما بعده، جراء تصريحاته المعارضة بشدة للقائمة الانتخابية «في حب مصر»، التي عكفت على تشكيلها جهات أمنية في الدولة.

وكانت أولى هذه الضربات الموجهة للبدوي مطالبة عدد من قيادات «الوفد» برحيله عن رئاسته، وانقلابهم عليه، رغم الصداقات التي كانت تجمع بعضهم به.
وصل الصراع ذروته عبر الأجهزة الأمنية خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، بعدما أذاع الصحافي عبد الرحيم علي أكثر من تسريب هاتفي للبدوي عبر برنامجه «الصندوق الأسود»، الذي يظن أن الأجهزة الأمنية تؤمن له المواد المسجلة لاستخدامها فيه خلال الوقت المناسب. وسبق أن استخدمت الأجهزة نفسها، عبر البرنامج نفسه، تسجيلات ليست مضادة لـ«الإخوان المسلمين» فحسب، بل لشباب ثورة «25 يناير»، وكذلك لمؤيدي «30 يونيو»، عند اختلاف نبرة أحاديثهم وانتقاداتهم عن النبرة التي تحتاج إليها الدولة.
في أحد التسريبات شتم البدوي المجلس العسكري الذي حكم مصر لعام ونصف

جاءت التسريبات الأخيرة لتؤكد الشكوك في أن كل ما تعرض له التيار الإسلامي، ولا سيما «الإخوان»، في مصر عقب الثورة، كان مخططاً له عبر الجهات الأمنية المصرية، وبعلم التيار السياسي الليبرالي، الذي يعدّ البدوي أحد أجنحته.
وأقوى تلك التسريبات التي شتم خلالها البدوي المجلس العسكري الذي حكم مصر لمدة عام ونصف عقب ثورة يناير 2011 بقيادة المشير حسين طنطاوي، وذلك بسبب أنه لم يدعُ حزب الوفد إلى أحد الحوارات التي عقدها مع القوى الوطنية. وتوعّد آنذاك السيد البدوي بمهاجمة المجلس العسكري بعد علمه بمشاركة «الإخوان» ونجيب ساويرس وحمدين صباحي في هذا الحوار، قائلاً: «والله لأقطعهم ولاد الكلب وأضربهم بالجزمة».
كذلك بثّ البرنامج تسجيلاً آخر بصوت البدوي وفيه دعم «الإخوان» له لرئاسة الجمهورية، وذلك قبل عزوفهم عن فكرة دعم مرشح، والدفع بمحمد مرسي في اللحظات الأخيرة، إلى أن حكم الجمهورية مدة عام.
هذا الخلاف الذي فُجّر بعيداً عن أروقة مؤسسة الرئاسة وعلا سيطه الإعلامي، دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى عقد لقاء أمس مع طرفي الأزمة في حزب الوفد، شملت كلاً من السيد البدوي والسكرتير العام للحزب (أبو شُقة) إضافة إلى عضوي الهيئة العليا فؤاد بدراوي، وعصام شيحة.
السيسي طالب المجتمعين بـ«إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات وتكاتف الجهود في مواجهة التحديات... حتى يتسنى عقد الانتخابات البرلمانية، لتشكيل مجلس نواب واع ومسؤول وقادر على إحالة نصوص الدستور الذي أقرّه المصريون إلى واقع ملموس في حياة المواطنين، بما يساهم في تحقيق آمالهم وطموحاتهم»، وفق النص الذي صرّح به المتحدث الرسمي باسم الرئاسة، السفير علاء يوسف.
وأوضح يوسف أنه في إطار رغبة الأطراف في رأب الصدع، تم الاتفاق على إنهاء الأزمة بما يرضي جميع الأطراف، وفي «إطار من الشفافية والديموقراطية التي هي من ثوابت حزب الوفد».
رغم ذلك، لم تكن الحرب إعلامية فقط، بل وصلت النيابة بعدما تقدم رجل الأعمال كرم كردي ورجل أعمال آخر ــ إماراتي الجنسية ــ بشكوى ضد البدوي يتهمانه فيها بالتعدي عليهما أثناء اجتماع لشركة «سيغما» للأدوية، التي يملكان فيها حصة بجانب البدوي، وإثر ذلك استدعت النيابة البدوي وحققت معه في «اتهامات بالاستيلاء على أموال الشركة وتوجيهها إلى قنوات الحياة».
رداً على كل هذه الأحداث، خرج البدوي على الرأي العام بمداخلة عبر شبكة قنوات «الحياة»، التي يمتلكها، ليؤكد أنه يتعرض لعملية ابتزاز سياسي ومادي، مشدداً على أن مجموعة من أصحاب المصالح يستهدفونه ويريدون إخراسه وتخويفه. وأضاف البدوي ــ الذي بدت على صوته العصبية ــ قائلاً: «أنا مش هاخاف، ولن أترك السياسة أو حزب الوفد رغم أنف من يحاولون تهديدي»، مركّزاً على تمسّكه بخوض انتحابات رئاسة الحزب وقيادته بقوة في الانتخابات البرلمانية المقبلة. كذلك طالب النائب العام باتخاذ إجراء قانوني ضد الانتهاك الذي تعرض له، بسبب التنصت على مكالمات شخصية له وعرضها في وسائل الإعلام بما يتعارض مع أحكام القانون والدستور. وحرص البدوي، وهو أحد واضعي التعديلات الدستورية الأخيرة التي تحكم الدولة الآن، على مغازلة السيسي قبل لقائه به، حتى لا يخسره كما حدث مع أجنحة في الأجهزة الأمنية، إذ ناشده اتخاذ إجراءات حاسمة ضد «مثيري الفوضى» الذين يعيقون تقدم الدولة.
وزاد بالقول إن السيسي «يرفض إضعاف الوفد أو الأحزاب السياسية»، مضيفاً: «لن نكون إلا سنداً للرئيس ولن نكون عقبة في طريقه لتحقيق الاستقرار لمصلحة مصر». ولفت البدوي إلى أن «على المسؤولين أن يحققوا في هذه المغالطات والمحاولات لإرهاب السياسيين ورؤساء الأحزاب، لأن هذا يفسح المجال لتيار الإسلام السياسي المتشدد». وأعاد، أخيراً، تأكيد أن «الوفد» والأحزاب المدنية واجهت سيطرة «الإخوان»، مذكّراً بأن الجماعة «موجودة على أرض مصر، وسيرجعون بأي شكل وأي صورة».