رام الله | يختصر المواطن الفلسطيني القاطن في الضفة المحتلة، أو الذي ينوي الدخول إليها، كل مسميات الطريق إلى الضفة والجهات التي تعمل عليه بتسميته «جسر المذلة»، إذ إن المسافة التي تقدَّر بين الضفة والأردن ببضع كيلومترات ويمكن أن تقطع في ساعة أو اثنتين، تحتاج منه إلى يوم كامل، حتى يصل إلى العاصمة عمان، ومن مطارها يمكنه بعد «السين والجيم» عند ثلاثة أجهزة مخابرات والتأكد من «حسن النوايا»، السفر إلى العالم.
يتندر أحد الواقفين على النقطة الفلسطينية التي تواجه المغادر من الضفة قبيل خروجه، قائلاً إن يومنا الذي سيضيع على هذا الجسر يكفي لأن ندور به الكرة الأرضية بالطائرة... «لكننا نضيع يوماً وأكثر كي نصل الطائرة نفسها».
ومع اقتراب الصيف والإجازة السنوية، يحسب الداخل إلى الضفة أو الخارج منها ألف حساب: ساعة السفر، وعدد المسافرين على الجسر، ودرجة الحرارة، وعدد الحقائب، ولا بأس بالمزيد من النقود لرشوة العاملين! قبل كل ذلك، لا بد من الانتباه إلى لون البطاقة التي يحملها، فالخضراء تدل على المقيم في الضفة، والصفراء تدل على الذي يعيش في الأردن ولكن أصله من الضفة، فيما الزرقاء تدل على أهالي قطاع غزة.
نور مرزوق، شاب يحمل بطاقة زرقاء، يتحسر على وضعه، ويقول: «من يحمل بطاقة خضراء أو صفراء محظوظ لأنه يمكنه أن يحزم أمتعته ويسافر دون تنسيق مسبق مع أي طرف، مع أن هذا لا ينفي احتمال إعادته من الجانب الإسرائيلي أو الأردني... أما أنا فمن المغضوب عليهم»؛ إذ يجب على حاملي الكرت الأزرق كحاله، أن يذهب قبل 40 يوماً إلى السفارة الأردنية لدى رام الله للحصول على «عدم ممانعة» والإجابة هناك عن أسئلة بشأن (أصلك وفصلك)، ثم الانتظار حتى الحصول على موافقة أمنية. وفي حال حصول ذلك، على نور المرور بالنقطة الفلسطينية ثم الإسرائيلية، وبعد ذلك الأردنية، حيث سيقف أمام (شباك رقم 10) المخصص للحالات «الشاذة والمستعصية»، فيما من الأفضل حينئذ التخلي عن ساعة اليد أو كل ما يذكّر بالوقت.
أما الفلسطينيون المغتربون الذين يأتون لزيارة ذويهم، فإن «أشواقهم تتحول إلى مذلة وتعب». منهم ربا عمرية، وهي قاطنة في الإمارات. تقول: «نضطر إلى التبكير من الخامسة فجراً استعداداً للمتوقع وغير المتوقع من مفاجآت جسر المذلة... على كل جانب يجري تفتيشنا وإنزال حقائبنا، وخاصة الجانب الاسرائيلي الذي يختبر أنواع التفتيش الإشعاعي والإلكتروني وحتى الجسدي»، مشيرة إلى الغضب الذي يعتريهم حينما تصرخ عليهم جندية (ارجع لورا) تجلس في غرفة باردة مغلقة وهم تحت أشعة الشمس الحارقة في غور الأردن.
رغم ذلك، ثمة نافذة أمل... عبر الرشوة أو الواسطة. فمثلاً من له قريب على النقطة الأردنية أو الفلسطينية يكون قد قلل ثلث المذلة أو ثلثيها، كما من الجيد أن يدفع مزيداً من النقود لـ«العتالين» على النقاط الثلاث.
وفي القرن الحادي والعشرين، لا تزال حاضرة حالات الاختناق وتدافع المواطنين للوصول إلى الحافلات بعد عملية بحث شاقة على الأمتعة التي تلقى أرضاً، وفي حال الشك بأحدهم قد يكون مصيره مثل القاضي الأردني رائد زعيتر الذي استشهد بإطلاق النار عليه في تلك اللحظة، قبل نحو عام.
أما المرجعون لدواع أمنية، أو بسبب الازدحام، فلهم النصيب الأكبر من المعاناة، لأنهم سيعاودون اختبار حظهم على الجسر مجدداً. تماماً كحال عبلة الفاري التي حاولت السفر أكثر من مرة، وانتظرت عدة أسابيع لعبور الجسر، ولكنها لم تفلح في اجتيازه، تقول الفاري بعد نجاحها في العبور: «تظل المرارة عالقة في حلقي وأنا أتنقل من شباك لشباك ومن حافلة لحافلة... أسوأ مكان نمر به هو كراج عبدو (بين النقطة الإسرائيلية والأردنية)، حيث تئن الحافلة من ازدحام الحقائب واختلاط صرخات الأطفال بأنات المرضى».
وحديثاً، تقول السلطة إنها اتفقت مع الجانب الأردني على إلغاء ذلك الكراج (عبدو)، إذ من المقرر العمل على ذلك خلال الأشهر المقبلة توفيراً لإرهاق المسافر الذي سيدفع الرسوم مجدداً عن نفسه وحقائبه للمرة الثانية، ثم سيبحث بمشقة عن حقائبه الملقاة أرضاً بين آلاف غيرها بعد خروجها من الجسر الإسرائيلي حتى يصل إلى الحافلة رقم 4 ذاهباً بها إلى النقطة الأردنية.
يشرح أحد منسقي الحملة الوطنية لحرية حركة الفلسطينيين «بكرامة» حازم القواسمي، أن السفر عبر «الكرامة» بطيء وكثير الإجراءات، موضحاً أن المعدل السنوي لعدد المسافرين يصل إلى مليون وثلاثة آلاف مسافر، في حين أن الطاقة الاستيعابية اليومية للمعبر هي ما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف مسافر فقط، ولكنها في أيام الازدحام تصل إلى قرابة سبعة آلاف يومياً.
يضيف القواسمي: «المواطن الفلسطيني يهان في كل مطارات العالم وكل مكان يتنقل فيه... طموحنا أن تنطلق الحافلة من الضفة إلى عمان بأقل وقت وثمن من دون إذلال».
وبين كل ذلك، يستذكر الواقفون هنا كيف عبر أجدادهم الجسر الذي كان مصنوعاً من الخشب قبل تحويله إلى الحديد ثم الإسمنت، يوم كانوا هاربين من حرب 1967 وقبلها نكبة 1948 إلى الأردن، وكيف تستمر المأساة إلى يومهم هذا، بعد أن أصبحت فلسطين «عضواً مراقباً» في الأمم المتحدة!