صنعاء | منذ بدء العدوان وفرضه حصاراً جوّياً وبحرياً على اليمن، تحوّلت حياة اليمنيين لتصبح عبارة عن طوابير طويلة، يصطفون فيها للحصول على الماء والغذاء والدواء، من الحاجات الأساسية. وغالباً يعود اليمنيون منهكين من الانتظار، من دون الحصول على مبتغاهم، مستسلمين للانعدام الكلي للمشتقات النفطية وللغاز المنزلي، ما ينعكس على كل المنتجات والاحتياجات الأخرى.
هذه المعاناة التي تعكس عمق الكارثة التي وضع العدوان الشعب اليمني فيها، عبّر عنها منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، يوهانس فان در كلاو، حين حذر مطلع الشهر الحالي من «انهيار كامل للأوضاع في اليمن في غضون أيام جراء انهيار البنى التحتية الأساسية ونفاد مخزون المحروقات والغذاء». هذا الانهيار أصبح أمراً واقعاً بعد أيام من تحذيرات الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي عبرت عنه أيضاً المتحدثة باسم الصليب الأحمر الدولي، ماري كلير فغالي، عندما قالت إن «الكارثة الإنسانية باتت واقعاً في اليمن».
«الإصلاح» متهم بإخفاء القمح من السوق عبر علاقاته القوية بكبار التجار

في السياق نفسه، حذر ممثل منظمة الصحة في اليمن، أحمد شادول، من انهيار وشيك للمنظومة الصحية في البلاد، مؤكداً أن الأوضاع الصحية والإنسانية في معظم محافظات اليمن تمرّ بأوضاع سيئة للغاية. وأشار إلى أن استمرار القصف الجوي، إضافة إلى أعمال العنف فاقم كثيراً الأوضاع الصحية والإنسانية التي كانت تعاني أصلاً من التدهور والضعف. وعلاوةً على تحذيرات الصحة العالمية، يرى الطبيب جمال الضلعي من مستشفى الكويت في صنعاء، أن انهيار المنظومة الصحية في اليمن بات قائماً بفعل الحصار السعودي على اليمن، وأن المستشفيات باتت تقدم الخدمات الطبية للجرحى والمرضى بأسلوب بدائي واعتماداً على ما يوفره الأهالي من الصيدليات من مستلزمات طبية وأدوية بعد نفاد معظمها من مخازن المستشفيات ووزارة الصحة.
في صنعاء، يقف متوسطو الدخل والفقراء في طوابير طويلة أمام المساجد ومحطات المياه للحصول على كميات قليلة من المياه الصالحة للشرب، كذلك يقفون في طوابير مماثلة أمام المخابز التي لم تغلق أبوابها بعد. وفيما اختفت مادة القمح بفعل فاعل في صنعاء، يتسابق اليمنيون على المتاجر لشراء البدائل الممكنة والمتوافرة بشكل محدود من الشعير والذرة وغيرها. في بداية العدوان كانت وزارة التجارة والصناعة والغرفة التجارية تؤكدان توافر القمح في مخازن الحكومة والقطاع الخاص بما يكفي لأكثر من ستة أشهر. غير أن القمح اختفى من السوق. وتشير أصابع الاتهام إلى حزب «الإصلاح» الذي تربطه علاقات قوية مع كثير من كبار التجار، حيث أوعز إليهم بإخفاء القمح، وتولى الطيران السعودي قصف صوامع الغلال في عدن لأكثر من مرة.
ويؤكد المتحدث الرسمي باسم وزارة التجارة والصناعة، محمد عبد اللطيف، أن الحصار السعودي لليمن جعل الوزارة عاجزة عن التصرف لتوفير مادة القمح من الأسواق الخارجية، متهماً أطرافاً داخلية بممارسة وفرض حصار داخلي على اليمنيين من خلال ضلوعها في إخفاء مادة القمح والمواد الغذائية من الأسواق، مشيراً إلى أن الوزارة، بالتعاون مع القوات الأمنية، اقتحمت مخازن تجارية لتجار لهم علاقات حزبية، لم يسمّهم، كانت قد أعلنت نفاد مادة القمح واتضح توافرها وبيعت للمواطنين بإشراف الوزارة.
على سبيل المثال، يواصل أحد المخابز في شارع الحرية بالقرب من ساحة التغيير في صنعاء، بيع الخبز لسكان الحي الذين يقفون في طابور طويل للحصول على حصة محددة من الخبز. ويقول صاحب المخبز إنه بدأ منذ أيام باستخدام الحطب لتشغيل الأفران وإنه لم يعد لديه مخزون من مادة الديزل للتشغيل، وهو السبب الذي جعل بقية المخابز تقفل أبوابها في هذا الحي ومعظم أحياء العاصمة. ويبيع هذا المخبز الخبز لسكان الحي بحضور الحاج محمد عبد الغني المعروف بـ«عاقل الحارة»، وهو من يحدد كمية الخبز الذي يُمنَح للسكان لمعرفته بعدد أفراد كل أسرة، وحرصاً على أن تحصل كل أسرة على ما تحتاجه من الخبز. ويقول عبد الغني الذي قاطع حديث صاحب المخبز عن انعدام مادة الديزل، إنه و«عاقلي الحارات» الأخرى، ينسقون مع «اللجان الشعبية» (التابعة لجماعة «أنصار الله») لتوزيع مادة الديزل حين توافرها على المخابز وفرض الرقابة عليها لمنع التصرف بها في غير خدمة المواطنين، وهي آلية يعملون بها منذ بداية الحصار، بحسب عبد الغني.
بالطريقة نفسها يعاني سكان صنعاء وسائر محافظات اليمن في الحصول على احتياجاتهم الضرورية. ففي كل حارة تجد الرجال والنساء والأطفال خارج منازلهم بانتظار الماء أو الخبز، وسط ارتفاع جنوني لأسعار ما يتوافر من المواد الغذائية بنسبة تصل إلى الضعف أو أكثر أحياناً، في وقتٍ تصطف فيه السيارات منذ أكثر من شهر في شوارع رئيسية في العاصمة، أمام محطات البترول المغلقة أصلاً، بانتظار انفراجةٍ ما تعيد الوقود وأساسيات الحياة إلى البلد المنهك.