تونس | لا يزال حزب «نداء تونس» (صاحب الغالبية في الحكومة) يعيش مخاضاً، تبدو نهايته رهينة نتائج المؤتمر العام المزمع عقده قريباً. وتسبب الخلافات داخل الحزب إطالة أمد هذه الحالة، وهي خلافات يصفها البعض بأنها تصل إلى حدود الصراعات التي قد تعصف بالحزب وبكينونته، وقد تعصف بالحكومة من بعده ــ أي بالاستقرار السياسي للبلاد.الأزمة البنيوية التي يعيشها الحزب أدت إلى صراع متواصل، سببه الرغبة في الهيمنة والإقصاء، بحسب متحدثين من داخل الحزب نفسه.

صراع اتخذ اليوم شكلاً ورهاناً جديداً، في ظل التنافس على منصب الأمانة العامة. ويبدو أنّ الصراع انحسر في هذا الصدد بين الأمين العام الحالي وزير الخارجية، الطيب البكوش، وبين المستشار الرئاسي عضو المكتب التنفيذي للحزب، محسن مرزوق، إذ عبّر كل منهما عن الرغبة في الترشح للمنصب.
الأزمة البنيوية التي يعيشها الحزب أدت إلى صراع سببه الرغبة في الهيمنة والإقصاء

وكان المكتب السياسي لـ»نداء تونس» قد قرر في آخر اجتماع له مبدأ عدم الجمع بين الوظائف التنفيذية في الدولة والمناصب التنفيذية داخل الحزب. قرار يعني كلاً من الطيب البكوش (الجامع للأمانة العامة ووزارة الخارجية)، وسلمى اللومي (وزيرة السياحة وأمين مال الحزب)، وكذلك محسن مرزوق (مستشار رئيس الجمهورية والمكلف العلاقات الخارجية في النداء)، إضافة إلى لزهر العكرمي (الوزير المكلف العلاقة مع مجلس نواب الشعب والمتحدث الرسمي باسم الحزب).
وباستثناء الطيب البكوش الذي عبّر عن استعداده للتخلي عن منصب الوزارة، حفاظاً على الأمانة العامة وبفعل الانتقادات لأدائه الوزاري، فإنّ أياً من المشار إليهم لم يعلن استقالته من أحد الوظيفيتين.
ومن جهة أخرى، أكدت مصادر من داخل الحزب لـ»الأخبار» أن محسن مرزوق «قد عبّر بدوره عن استعداده للتخلي عن منصبه مستشاراً داخل قصر قرطاج، لأجل الترشح للأمانة العامة خلال المؤتمر المقبل». وبحسب المصدر، فإنّ مرزوق لن يخرج من قصر قرطاج إلا إذا قُدمت له «ضمانات قوية» للفوز بمنصب الأمانة العامة للحزب.
في غضون ذلك، لا يزال المؤتمر المقبل (الأول للنداء) بدوره غير واضح المعالم، حتى أنّ تاريخ انعقاده لم يحسم بعد.
وفيما أكدت عضو المكتب السياسي والنائب في مجلس النواب، بشرى بلحاج حميدة، أن المؤتمر سينعقد في شهر أيلول وستنطلق الأشغال التحضيرية له في شهر آب، رجّح النائب عن الحزب، خالد شوكات، صعوبة إنجاز مؤتمر انتخابي في ذلك الموعد، خاصة أنّ ذلك التاريخ مرتبط بتوزيع الانخراطات (الانتسابات) منذ بداية الشهر الحالي، الأمر الذي لم يحصل. وتوقفت لجنة الإعداد للمؤتمر عن الاجتماع منذ ثلاثة أسابيع. كذلك، أفاد شوكات بأن منسق الهيكلة داخل الحزب، حافظ قائد السبسي، تقدم بمقترح بديل من إنجاز مؤتمر انتخابي، يتمثل في الاكتفاء بمؤتمر تأسيسي ينعقد في أقرب تاريخ.
هذا المقترح يعني أن لا يقع تجديد ضمن هياكل الحزب وأن تسند النيابات في المؤتمر إلى القيادات المحلية والجهوية والوطنية الحالية. وهي قيادات لم تحصل على مناصبها عبر الانتخابات، لكنها شاركت في تأسيس الحزب طوال السنوات الماضية. وهو أمر يخالف مبادئ المؤتمر الانتخابي، الذي يتطلب تجديداً للهياكل المحلية والجهوية والوطنية الحالية، ويتطلب أيضاً انعقاد مؤتمر كهذا القيام بسلسلة من المؤتمرات المحلية والجهوية تنتهي بمؤتمر وطني.
مقترح آخر قُدّم إلى المكتب السياسي من طرف خالد شوكات، الذي أوضح لـ»الأخبار» أن مقترحه يقضي بإعادة بناء الحزب على أساس تيارات «حتى يكون حزباً فيدرالياً، لا حزباً بسيطاً». وبالتالي، تتنافس التيارات المنظمة داخلياً في ما بينها لإفراز المؤسسات القيادية للحزب، وهو الشكل المناسب لطبيعة حزب «نداء تونس»، وفقاً له، على اعتبار أنه «حزب كبير، له روافد متعددة ويضم شخصيات قيادية ذات تجارب سياسية وفكرية مختلفة». وأوضح شوكات أنه «بدل الاعتماد على تنظيم بسيط، نعتمد على تنظيم أكثر تعقيداً. التنظيم الاتحادي أو الفيدرالي لضمان التنوع في إطار الوحدة، ويكون التنوع منتجاً لتنافس إيجابي لا سلبي قائم على الصراع والإقصاء».
هي اقتراحات لا تزال قيد الدرس، وهي التي قد تحدد السيناريوهات المقبلة لترتيب البيت الداخلي لـ»النداء»، فيما يبدو أن الخيار الأفضل هو الإسراع في عقد مؤتمر يلملم شتات القيادات ويحصر الخلافات أو يفككها، خاصة أن الأمين العام الحالي، الطيب البكوش، بدا طوال السنوات الماضية مجرد «ظلّ للأمين العام» و»خليفة وهمياً للباجي قائد السبسي»، وذلك بسبب افتقاره إلى خصائص القيادة التي تحتم امتصاص الخلافات وإدارة محكمة للصراعات. بل إن شقاً من الحزب يحمّل البكوش مسؤولية ما آلت إليه الصراعات الداخلية، وتوجّه إليه اتهامات بالإخفاق في حلها.
قد تقود مجمل المعطيات إلى زيادة حظوظ مرزوق للفوز بمنصب الأمين العام للحزب، وذلك إن لم يشهد «النداء» خلط أوراق جديداً.