قبل أقل من ساعة ونصف ساعة من انتهاء الوقت المحدد قانونياً له، تمكن بنيامين نتنياهو من النجاة بنفسه والتوقيع على تشكيل حكومة، بغالبية الحد الأدنى، من 61 مقعداً من بين 120 نائباً في الكنيست.تحت ضغط الوقت، وبفعل المفاجأة التي صفعه بها رئيس «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، اضطر نتنياهو إلى التنازل أمام رئيس «البيت اليهودي»، نفتالي بينيت، الذي لم يكن من دون تأييده قادراً على تشكيل حكومته، التي هي أبعد عما كان يطمح إليه. ولا تتلاءم النتيجة التي آلت إليها العملية الحكومية مع الانطباعات التي تبلورت في أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات عندما سجل معسكر اليمين تقدماً بلغ 67 مقعداً، أضف إلى نجاح نتنياهو في رفع مقاعد «الليكود» إلى 30 عضواً.

لم يترجم التقدم الذي حققه «الليكود» تناسبياً على مستوى الحكومة، إذ بدا نتنياهو أكثر عرضة لطلبات وابتزازات كل واحد من الأحزاب، والتي من المرتقب أن تهدّد بتفكيك الائتلاف إذا لم يستجب نتنياهو لها. بل سيصبح رئيس الوزراء أسير مزاج كل عضو كنيست من الـ61 الذين تستند إليهم الحكومة، كونه قادراً على إحداث أزمة ائتلافية عبر التهديد بالتصويت مع المعارضة لصالح حجب الثقة عن الحكومة، أو لصالح قانون حل الكنيست نفسه بما يؤدي إلى انتخابات مبكرة.
يتوقع أن تندفع الحكومة نحو المزيد من الممارسات الاستيطانية والاحتلال

العامل الأساسي الذي أدى إلى هذا الواقع الائتلافي وحال دون ترجمة التفوق النيابي استقراراً حكومياً، هو الموقف المفاجئ لليبرمان الذي عزف عن المشاركة رداً على أداء نتنياهو في تشكيل الحكومة عندما صاغ اتفاقات ائتلافية خضع فيها للأحزاب الحريدية وتحديداً في ما يتعلق بتجندهم للجيش.
ما دفع نتنياهو نحو هذا الواقع، أيضاً، هو إعلانه منذ الكشف عن نتائج الانتخابات أنه متوجه لتشكيل حكومة مع شركائه الطبيعيين، معسكر اليمين والأحزاب الحريدية. وهو ما يعني تحييد شركاء آخرين محتملين، «المعسكر الصهيوني» و«يش عتيد»، ويبدو أنه انطلق في هذا الموقف كجزء من استخلاص العبر من تجربة الحكومة الماضية.
مع ذلك، يمكن أن يراهن نتنياهو على قدر من استقرار الحكومة لفترة ما، انطلاقاً من الانسجام بين أطرافها الذين يلتقون في الخطوط العامة سواء في السياسة الخارجية أو الداخلية.
لكن هذه الحكومة قد لا تكون مريحة سواء للولايات المتحدة أو الاتحاد الاوروبي، كونها تتسم بالتصلب السياسي إزاء المسار الفلسطيني. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الرئيس الأميركي باراك أوباما رحب بتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نتنياهو.
ويتوقع أن تندفع هذه الحكومة نحو المزيد من الممارسات الاستيطانية والاحتلال، ومن مواصلة سياسة إدارة الصراع بدلاً من حله، كما فعل نتنياهو منذ توليه الحكم. أما إزاء فلسطينيي الداخل، فيتوقع أن تكون هذه الحكومة أكثر عدائية تجاههم فهي تضم، باستثناء ليبرمان الذي بقي خارجاً، كل الشخصيات والأحزاب المعروفة بعنصريتها وتشددها في هذا المجال.
مع ذلك، لا يعني أن نتنياهو سيكون راضياً ومكتفياً بهذه التركيبة الحكومية، بل سيواصل جهوده نحو توسيع قاعدة الحكومة النيابية. وعلى هذه الخلفية يأتي ما نقلته صحيفة «هآرتس» عن مصدر سياسي قوله إن نتنياهو لم ينجح في تشكيل حكومة، بل حصل على مهلة إضافية لتشكيل حكومة أخرى. وأوضحوا في حزب «الليكود»، أنهم يتجهون نحو توسيع الائتلاف الحكومي، سواء عبر ضم «المعسكر الصهيوني» أو «إسرائيل بيتنا» في الأشهر المقبلة، سواء عبر شق أحزاب قائمة وضم أعضاء منفردين من أحزاب أخرى لتأييد الائتلاف الجديد. ويحضر في هذا الإطار سيناريو طرق أبواب «يش عتيد» برئاسة يائير لابيد، الذي يملك 11 عضو كنيست، الذي سيطالب بثلاث حقائب، على رأسها وزارة الخارجية. لكن الأخير قد لا يوافق على المشاركة في مثل هذه الحكومة باعتبار أن ذلك سيشكل انتحاراً سياسياً وشعبياً له.
في السياق نفسه، نقلت صحيفة «هآرتس» عن مصادر سياسية أن اتصالات سرية كانت تجرى طوال الوقت بين المؤيدين لحكومة وحدة من «الليكود» و«المعسكر الصهيوني»، لكن الأخير وضع عدة شروط للانضمام إلى الحكومة، بدءاً من تجديد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، مروراً بإخراج «البيت اليهودي» من الائتلاف، وصولاً إلى بناء منظومة منظمة ومتفق عليها لقيادة مشتركة للحكومة بين نتنياهو وهرتسوغ، فضلاً عن الدعوة إلى تناوب جزئي على منصب رئاسة الحكومة.
إلى ذلك يمكن القول، بالرغم من أن «الليكود» اكتسح ربع مقاعد الكنيست، من خلال نيله 30 مقعداً من أصل 120، إلا أنه نال عدداً أقل من الحقائب فضلاً عن عدد أقل من الحقائب الكبرى. لكن انسحاب ليبرمان جعل حقيبة وزارة الخارجية الكبيرة شاغرة، ويبدو أن نتنياهو لا يزال يحتفظ بها في محاولة أخيرة لإدخال «المعسكر الصهيوني»، برئاسة هرتسوغ إلى الحكومة، وثانياً، حتى لو لم يحدث ذلك، فالصراع على هذه الحقيبة من المتوقع أن ينشئ صراعات وخصومات بين أعضاء «الليكود».
من جهة أخرى، تستعد إدارة الائتلاف الحكومي لطرح مشروع قانون على الكنيست يوم الاثنين المقبل، ينص على تعديل قانون أساس الحكومة بهدف زيادة عدد الوزراء من 18 إلى 22 وزيراً، وزيادة عدد نواب الوزراء من أربعة إلى 6، وهو ما قد يشير إلى نية نتنياهو توسيع الائتلاف الحكومي لاحقاً.
في المقابل، تعهد رئيس «المعسكر الصهيوني»، اسحاق هرتسوغ بعدم مساعدة نتنياهو على الخروج من أي مأزق "ولن أكون دولاباً خامساً في حكومته". وأكد هرتسوغ أن حزبه سيبقى في صفوف المعارضة ليعمل منها ضد حكومة نتنياهو الجديدة بهدف إسقاطها.
من جهتها، أكدت تسيبي ليفني أن حزبها سيناضل من أجل مبادئه من صفوف المعارضة ولن ينضم إلى الحكومة الجديدة.