بغداد | بعد تصاعد تداعيات ما حصل في «الثرثار» واتهام فصائل بارزة في «الحشد الشعبي» لرئيس الحكومة، حيدر العبادي، ووزير الدفاع، خالد العبيدي، بالتقصير والإهمال لما جرى في تلك المنطقة وتحميلهما مسؤولية وقوع «مجزرة» بحق 140 جندياً عراقياً، عمد العبادي إلى فتح قنوات تواصل ووساطات مع قيادات وفصائل متنفذة في «الحشد» لإجراء أشبه ما يكون بعملية «مصالحة» بين تلك الفصائل والحكومة المتهمة بـ«الانبطاحية» و«الولاء» لأميركا.
وما عزز من موقف المعارضين للعبادي هو مشروع قرار الكونغرس الأميركي الأخير القاضي بتسليح «الأكراد» و«السنة» خارج سلطة الدولة الاتحادية والحكومة المركزية الذي أثار موجات اعتراض واسعة لدى القيادات والتيارات «الشيعية» التي أرسل بعض قياداتها رسائل تهديد ووعيد مبطنة للحكومة وشخص رئيسها، داعية إياه إلى اتخاذ «موقف حازم وحاسم» من القرار. تلك الأحداث والمواقف والرسائل دفعت العبادي إلى الاستعانة بالمرجعية الدينية واللعب على هذا الوتر، إيماناً منه بأن ورقة المرجعية هي الورقة الوحيدة الرابحة التي من الممكن أن تمثل طوق نجاة لحكومته بعد الأزمات الأخيرة.
لقاء العبادي بفصيل
في «الحشد» أسفر عن
تفاهمات تتعلق بأميركا

مصدر رفيع المستوى تحدث لـ«الأخبار» عن اجتماع طويل جرى بين العبادي وممثل المرجع السيد، علي السيستاني، المعتمد في كربلاء عبد المهدي الكربلائي طالب خلاله العبادي من المرجعية بـ«ردع تمرد الفصائل الشيعية» و«نقل حقيقة الأزمة ومؤامرة بعض الأطراف الشيعية على الحكومة إلى السيد علي السيستاني».
المصدر أوضح أن اللقاء جرى خلال زيارة العبادي لمحافظة كربلاء الشهر الماضي لحضور اجتماع موسع لرؤساء الحكومات المحلية في عدد من المحافظات لمناقشة نقل الصلاحيات وتوسيعها، «لكنه تبيّن أن حضور الاجتماع لم يكن أكثر من صورة إعلامية، وأن الهدف هو لقاء الكربلائي الذي كان اللقاء معه أطول من الاجتماع».
بعد ذلك بأيام جرى اجتماع موسع بين العبادي وفصيل بارز في «الحشد» يمكن وصفه بـ«المتشدد» والمناهض لسياسات العبادي بقوة للبحث في تفاهمات و«مهادنة» في بعض القضايا التي تخص المعارك ضد «داعش». مصدر في الفصيل «الشيعي» رفض ذكر اسم الفصيل، قال لـ«الأخبار» إن «العبادي بدا أكثر مرونة من لقاءات سابقة مباشرة وغير مباشرة جرت معه».
ويضيف المصدر أن «اللقاء أسفر عن تفاهمات أولية بشأن بعض القضايا وخصوصاً تلك التي تتعلق بالعلاقة مع أميركا وما يسمى التحالف الدولي»، وكشف أن «العبادي تعهد بحل كافة الإشكالات وسوء التفاهم الذي حدث بين بعض فصائل المقاومة والحكومة».
لكن المصدر لم يبد تفاؤلاً أو حماساً لتعهدات العبادي تلك وحتى اللقاء به «ما لم يخرج من العباءة الأميركية، وعدم تكرار أخطاء (رئيس الحكومة السابق نوري) المالكي بالبداية عندما رفض الاستماع لنصائحنا».
وكانت كتائب «حزب الله» العراق قد هددت أخيراً بـ«نزع جلد» من يعمل على نزع شرعية «المقاومة»، وقالت في بيان وصل «الأخبار» نسخة منه، إن «من يعمل على نزع شرعية المقاومة والجهد الوطني الشعبي سننزع عنه جلده وسنكشف ارتباطه برعاة النزع والحصر، فهؤلاء حماة الشعب العراقي وليس لأحد المنّة عليهم ولا على سلاحهم». وأضاف البيان أن «سلاح وشعبية وقدرات كتائب حزب الله تعاظمت إلى مئات الأضعاف عما كانت عليه في وقت الاحتلال، وهذا مصدر عز وفخر واطمئنان للأحرار والمخلصين، ومصدر قلق وريبة للأعداء والتابعين».
لكن مراقبين ومحللين استبعدوا دخول «الحشد الشعبي» أو بعض فصائله في مواجهة مباشرة، سياسية كانت أو عسكرية مع العبادي، نظراً إلى الظروف الراهنة وحضور الدور الإيراني أيضاً، مشيرين إلى أن التصريحات المتوترة التي يطلقها بعض الأطراف، هي تعبير عن عواطف وردود فعل غير محسوبة.
ويرى المحلل السياسي، حيدر الموسوي، أن هناك من قرأ تهديدات بعض قيادات «الحشد الشعبي» وفصائله بتنظيم تظاهرات والنزول للشارع بشكل خاطئ، حتى أن هناك من ذهب إلى أن «الحشد» سيشكل «حكومة ظل».
ويؤكد الموسوي في حديث لـ«الأخبار» أنه «لا وجود لمثل هذه الفكرة حالية، مبيناً طبيعة المرحلة الحالية واشتداد المعارك ضد «داعش» على أكثر من جبهة، فضلاً عن مشروع قرار الكونغرس الأميركي الأخير، كلها عوامل قد تؤجل على الأقل المواجهة مع الحكومة».
ويشير الموسوي إلى أن قوة «الحشد الشعبي» وبروزه لا يكمنان في ما حققه من انتصارات عسكرية على الأرض وتحرير عدد كبير من المناطق الاستراتجية والمهمة التي كان يسيطر عليها «داعش»، بل في «تمكنه من تحقيق قواعد جماهيرية أكثر من جماهير الأحزاب الكلاسيكية».