ارتبط اللقاء التشاوري الخامس عشر الذي انعقد، أمس، في قصر الدرعية في الرياض، بحضور الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، بتطورات الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، في ظل مؤشرات عدة تفيد باقتراب التوصل إلى اتفاق نهائي بين القوى الدولية وإيران بشأن برنامجها النووي. وفيما جاءت الأزمات الإقليمية الأخرى في خلفية المشهد، بدا أنّ القمة ــ الأولى من نوعها بحضور رئيس غربي ــ حملت في طياتها مؤشرات عدة على انعقاد مشهد خليجي جديد عنوانه «مواجهة النفوذ الإيراني»، وذلك قبل نحو عشرة أيام من اللقاء الخليجي ــ الأميركي في كامب ديفيد.
وفي هذا الشأن، دعا البيان الختامي، المشترك، إلى «القيام بكل ما يلزم لتفادي الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة تشجيع اتفاق قوي ومستدام وقابل للتحقق في إطار المفاوضات بين مجموعة 5 + 1 وإيران». وأضاف «تدعو دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وفرنسا إيران إلى اتخاذ القرارات الشجاعة والضرورية لطمأنة المجتمع الدولي بسلمية برنامجها النووي والتأكيد على رغبتها في بناء علاقات تقوم على الثقة مع دول المنطقة بناءً على مبادئ القانون الدولي... التي تمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو استخدام القوة أو التهديد بها».
هولاند: مستعدون للدفاع عن دول الخليج وعن مصالحها في المنطقة

وقال البيان: «تمر هذه المنطقة الاستراتيجية بفترة صعبة من عدم الاستقرار في عدة دول ونموّ الارهاب الدولي والتدخلات الخارجية في شؤون الدول الأخرى، مما يشكل خطراً على الأمن الإقليمي والدولي»، داعياً إلى «إعادة التأكيد على حق دول المنطقة باحترام استقلالها ووحدة أراضيها وسلامة حدودها وسيادتها الوطنية بمنأى عن التدخلات الخارجية».
وفي الشأن اليمني، دعا البيان إلى «مساندة جهود الحكومة الشرعية في اليمن لتحقيق عملية سياسية شاملة وإعادة السلام إليه بالتشاور مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأمم المتحدة ومع أصدقاء اليمن»، لافتاً إلى تقديم «المساندة الكاملة للمبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة الجديد إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد». ودعا كذلك إلى «إعداد مرحلة انتقال سياسي سلمي وفق مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني والتنفيذ الكامل والدقيق لقرار مجلس الأمن الدولي 2216 والقرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي».
وإذ خرج البيان في الشأن السوري بالدعوة إلى «تنفيذ عاجل لعملية انتقال سياسي تستند إلى بيان جنيف 1»، أشار وزير الخارجية القطري، خالد العطية، في مؤتمر صحافي عقب انتهاء اللقاء، إلى أنّ القادة الخليجيين رحّبوا «بمؤتمر (ينعقد) في الرياض للمعارضة السورية، لوضع خطة لإدارة المرحلة الانتقالية لما بعد نظام بشار الأسد».
كذلك، جاء البيان بدعم للقاهرة، داعياً إلى «المساهمة في استقرار وتنمية مصر عبر متابعة التعاون وتوفير المساعدة لهذا البلد الكبير والضروري للاستقرار في المنطقة».
وعكس اللقاء، أمس، إرادة سعودية واضحة بإبراز النفوذ ضمن مجلس التعاون الخليجي، في ظل الحكم الجديد. وفي افتتاح القمة الخليجية، حذّر الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، من «الأطماع الخارجية» التي تتعرض لها المنطقة العربية وعمليات «توسيع النفوذ وبسط الهيمنة»، في إشارة ضمنية الى إيران. وقال: «يأتي لقاؤنا اليوم وسط ظروف صعبة وتحديات بالغة الدقة تمر بها منطقتنا وتستوجب منا مضاعفة الجهود للمحافظة على مكتسبات شعوبنا ودولنا، ومواجهة ما تتعرض له منطقتنا العربية من أطماع خارجية ترتكز في سعيها لتوسيع نفوذها وبسط هيمنتها على زعزعة أمن المنطقة واستقرارها، وزرع الفتن الطائفية، وتهيئة البيئة الخصبة للتطرف والإرهاب».
وتطرق سلمان الى الأوضاع في سوريا، داعياً الى تطبيق مقررات مؤتمر «جنيف 1». وقال «إننا نرى أن ما تضمنه بيان جنيف 1 يمثل مدخلاً لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا، مع تأكيدنا على أهمية أن لا يكون لرموز النظام الحالي دور في مستقبل سوريا».
كذلك، ترافق انعقاد القمة مع إرادة سعودية في إظهار توتر مع واشنطن على خلفية كيفية التعاطي مع أزمات المنطقة، ليظهر حضور الرئيس الفرنسي ضمن إطار تدعيم الموقف الخليجي على الصعيد الدولي، تحديداً في ما يخص ملف «الاتفاق النووي» مع إيران.
وفي هذا السياق، أكد البيان الختامي «التقارب الكبير في وجهات النظر بينها (دول مجلس التعاون وفرنسا) حول الأهداف والوسائل التي من شأنها تأمين الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر منطقة استراتيجية من أجل الأمن الدولي»، مضيفاً «يؤكد قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وفرنسا أن اجتماع الرياض هو نقطة انطلاق لشراكة متميزة بين فرنسا ودول مجلس التعاون».
وأكد الرئيس الفرنسي في كلمته دعم بلاده للعملية العسكرية في اليمن «بغية إعادة الاستقرار إليه»، مشيداً بـ»المبادرات» التي أطلقها الملك السعودي لمواجهة «تحديات جديدة مرتبطة بالجماعات الارهابية مثل داعش والقاعدة، والتحديات التي تمثلها زعزعة استقرار عدد من الدول المجاورة»، إضافة الى «أطماع عدد من الدول التي تتدخل في شؤون الآخرين».
وقال «اتفقنا على ترقية اتفاق الدفاع إلى أعلى مستوى مع خادم الحرمين»، مشيراً إلى أنه فعل نفس الشيء مع قطر التي زارها. وأضاف أن زيارته للخليج هدفها «مصلحة الأمن والسلام ومكافحة الإرهاب، والتأكيد على عدم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام الفوضى التي تعمّ دولاً شتى في المنطقة. وقال ان فرنسا «مستعدة للدفاع عن دول الخليج وعن مصالحها في المنطقة».
وعن دعوة الرئيس الفرنسي لحضور القمة، قال وزير الخارجية السعودي الجديد، عادل الجبير، إن دعوة هولاند لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي تبرز العلاقات الوثيقة التي تربط بين باريس والمنطقة، مشيراً إلى توافق وجهات النظر في ما يتعلق بالتحديات.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)