بغداد | للمرة الأولى تواجه الحكومة العراقية اختباراً يهددها بسحب الثقة في البرلمان وبإسقاطها شعبياً عقب تداعيات حادثة الثرثار وما تلاها من اتهامات وجهت إلى رئيسها، حيدر العبادي، ولوزير دفاعه، خالد العبيدي، بالإهمال والتقصير في إنقاذ جنود تعرضوا نهاية الأسبوع الماضي لـ»مجزرة» في محافظة الأنبار.أطراف سياسية، وفئات ضمن قوات «الحشد الشعبي»، تصرّ على وقوع مجزرة في «ناظم التقسيم» في الثرثار بالرغم من الأدلة التي قدمتها الحكومة، وبرغم المؤتمر الصحافي لوزير الدفاع وقائد طيران الجيش وعدد من الجنود المحاصرين الذين أكدوا أن الحديث عن وقوع مجزرة في تلك المنطقة هي مجرد «مزاعم» وتهويل إعلامي.

وسرعان ما شكك المعتقدون بوقوع المجزرة بالرواية الحكومية ورفضوها، حتى إنهم ذهبوا إلى اتهام وزير الدفاع بكتابة «سيناريو هذه المسرحية وبتلقين الجنود تلك الكلمات». وقد ذهب بعض الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن أحد الجنود الذين تحدثوا في المؤتمر هو نجل وزير الدفاع.
كل التحليلات والتوقعات تشير اليوم الى بوادر سخط وتذمر شعبي ودعوات للتظاهر والاحتجاج، فيما يجري حديث عن مساعٍ لتشكيل «حكومة ظل». وكشف مصدر سياسي رفيع لـ»الأخبار» عن مساع تقودها أطراف وازنة في «الحشد الشعبي»، تهدف إلى تشكيل «حكومة ظل»، خصوصاً بعد التوجهات الأخيرة لحكومة العبادي.
كشف مصدر عن مساع تقودها أطراف في «الحشد» لتشكيل «حكومة ظل»

وأوضح المصدر أن «الحشد الشعبي يمتلك من المقومات ما يؤهله لتشكيل حكومة ظل أو حتى الانقلاب على العبادي... بفضل عدد لا بأس به من المقاعد في البرلمان، فضلاً عن وزراء ومناصب حكومية رفيعة». إلا أنّ المتحدث العسكري باسم «الحشد الشعبي»، كريم النوري، رفض التعليق على تلك المعلومات، مشيراً، في حديث لـ»الأخبار»، إلى أن «إذاعة مثل هذه الأنباء تهدف إلى تشويه صورة الحشد الشعبي والتأثير في سير المعارك».
ودفعت تلك التطورات رئيس الحكومة، حيدر العبادي، إلى الحديث في البرلمان ــ حيث استضيف أمس لمناقشة التطورات الأمنية الأخيرة في البلاد ــ عن الاستعداد لترك منصبه في حال عدم قدرته على حماية المواطنين والحفاظ على ممتلكاتهم، في تصريح هو الأول من نوعه منذ ترؤسه الحكومة في شهر أيلول الماضي.
كذلك، أشار العبادي في كلمته إلى «الحرب النفسية» وإلى «الجهات المغرضة» التي تحاول التأثير بانتصارات الجيش ودق إسفين الطائفية والتفرقة بين أبناء الشعب العراقي، معتبراً، أمام أكثر من 220 نائباً من أصل 328 حضروا الجلسة، أن «ثلثي المعركة هي نفسية. ولا يوجد تهديد عسكري يواجه بغداد أو كربلاء» لمحاذتهما الأنبار.
في غضون ذلك، أكد نواب من كتل مختلفة لـ»الأخبار» عدم اقتناعهم بحديث العبادي وبـ»تبريراته»، خصوصاً في ما له علاقة بأحداث الثرثار. وأجمع عدد من النواب على القول إن «تصريحاته وأحاديثه لم تختلف كثيراً عن سابقتها، نظراً إلى أن الاتهامات والوعود هي الطاغية». فيما رأى بعضهم أن «ما قدمه العبادي لا يتناسب مع حجم المشكلة التي تعيشها البلاد».
وفي ما يشبه الهجوم الإعلامي على حكومة العبادي، تحدث عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية، عباس الخزاعي، خلال مؤتمر صحافي، عن وجود «ملفات فساد كبيرة» في وزارة الدفاع تتعلق ببنادق تشيكية الصنع، متهماً لجنة في مكتب العبادي بأنها «أوصت بتوزيع تلك الأسلحة على الحشد الشعبي، وأكدت أنها صالحة للاستعمال، خلافاً للواقع».
وكان مجلس الوزراء العراقي قد خصص، أمس، جزءاً من جلسته الأسبوعية للحديث عن الحملة الإعلامية التي تواجهها الحكومة والمؤسسة العسكرية، إثر حادثة الثرثار التي جعلتها أمام اختبار حقيقي.
وعقب انتهاء الجلسة، صدر بيان عن مكتب العبادي، أكد أن «الجلسة شهدت مناقشة مستفيضة للأوضاع الأمنية وما جرى في ناظم التقسيم والحرب الإعلامية والشائعات التي روجها البعض لإضعاف عزيمة قواتنا البطلة المرابطة في أرض المعركة». وبحسب البيان، أدان المجلس ما سمّاها محاولات جرّ العراقيين لحرب طائفية «يكون الخاسر فيها جميع أبناء الشعب العراقي»، داعياً إلى الكف عن إطلاق التصريحات التي تؤجج النزعات الطائفية وتسهم بزعزعة الثقة بالقوات العراقية «إذ إن هذه التصريحات والمواقف تخدم التنظيمات الإرهابية».
وفيما تستمر تداعيات حادثة الثرثار بالغليان في الشارع العراقي، بدأ ناشطون بتنظيم صفوفهم وتشكيل تجمعات تتولى تنظيم احتجاجات وتظاهرات شعبية رداً على «الفشل السياسي والخدماتي» لحكومة العبادي. وقد نظم العشرات منهم تظاهرة حاشدة في ساحة التحرير وسط بغداد، التي للإشارة تكتسب رمزية خاصة في تنظيم الاحتجاجات.
أحمد جعفر، أحد الناشطين، قال لـ»الأخبار» إن «أقرانه من الناشطين والشباب يسعون إلى تصعيد مواقفهم حتى يمنعوا وقوع مجازر مماثلة كالتي حدثت في الثرثار أو سبايكر (في صلاح الدين)»، مشيراً إلى أنّ «هناك ملاحظات سلبية عديدة على أداء الحكومة، وعلى عدم الإيفاء بالتزاماتها وبوعودها بالرغم من مرور عشرة أشهر على تشكيلها».
في موازة ذلك، كشف صحافي عراقي عن معلومات جديدة ومثيرة بشأن «محاصرة عشرات الجنود العراقيين وحدوث عمليات أسر وخطف وإعدام لعدد آخر»، مؤكداً أنه تلقى عدداً كبيراً من الاتصالات من جنود حوصروا منذ 12 نيسان الحالي، وأنه قام بدوره بإيصال مناشداتهم لوسائل إعلام مختلفة وقيادات عسكرية رفضت الاستجابة لتلك المطالب.
حسن نعيم، الصحافي العراقي الذي يعمل في بغداد وشكل خلية مع عدد من الصحافيين بغية العمل على فك الحصار عن أولئك الجنود، قال لـ»الأخبار» إن «قيادة القوات البرية رفضت الاستجابة للتسجيلات الصوتية للجنود المحاصرين»، مشيراً إلى أنه لا يزال يحتفظ بتلك التسجيلات.
نعيم فنّد كل الروايات الرسمية التي رفضت الحديث عن وقوع «مجزرة» في الثرثار، كاشفاً عن وصول جثامين 40 جندياً وضابطاً لمطار المثنى العسكري وسط العاصمة بغداد في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس. وقال إنّ «المعلومات الدقيقة» التي تمكّن من الحصول عليها من قبل الجنود وبعض الضباط الناجين من الحادثة تشير إلى مقتل «من 70 إلى 80 جندياً وضابطاً... فيما لا يزال تنظيم داعش يحتجز حتى الآن نحو 50 آخرين في مدينة الفلوجة، فضلاً عن وجود عشرات المنتسبين من الفوج الثاني اللواء الأول ــ الفرقة الأولى محاصرين حتى اللحظة هناك».