سجّل مشروع «المقاومة الشعبية السورية» ليل أول من أمس، بصمة جديدة له على حدود الجولان المحتل، إثر استهداف طائرة إسرائيلية مجموعة من المقاومين أثناء زرعهم عبوة ناسفة، أدى إلى استشهادهم. وفي ظلّ الصمت الرسمي من قبل سوريا وحزب الله، يشير التطوّر الأخير إلى أن مشروع المقاومة في الجولان بدأ يشتدّ عوده، منذ استهداف مروحيّة إسرائيلية للشهيد موفّق بدرية في حزيران 2014، ومن بعده مجموعة شهداء حزب الله في القنيطرة منتصف كانون الثاني الماضي.
وإذا كانت إسرائيل، التي تدعم وتدير المجموعات الإرهابية المتفرعة والمرتبطة بتنظيم «القاعدة» في درعا والقنيطرة، قد نجحت إلى حدّ كبير في ضرب هيكلية انتشار الجيش السوري ودفاعاته الجوية في الجنوب، وعمدت إلى خرق قواعد الاشتباك التي أرسيت بعد عام 1974 مع سوريا، فإن «خيار محور المقاومة للردّ، واضح بإحياء المقاومة الشعبية على طول الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، وربط جبهة الجنوب اللبناني والسوري»، على ما يقول أكثر من مصدر سوري ولبناني معني بالجبهة الجنوبية. وتقول المصادر إن «ما قاله الرئيس بشار الأسد في نهاية 2013 والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قبل أشهر، ليس كلاماً في الهواء، فقتال المسلحين في سوريا ولبنان لا يشغل محور المقاومة عن الإعداد الدائم لقتال إسرائيل».
وما لم يعد خافياً، أن سوريا وحزب الله، بالإضافة إلى تدريب وتجهيز مجموعات من أهالي الجولان المحرّر والمحتل وجبل الشيخ لقتال الجماعات التكفيرية والدفاع عن القرى، يعملان منذ منتصف عام 2013 على تجهيز مجموعات أخرى لخوض معركة استنزاف طويلة لقوات الاحتلال انطلاقاً من الجولان. وما لم يعد سرّاً أيضاً، أن عدداً ليس بقليل من أهالي شبعا وحاصبيا على المقلب اللبناني من جبل الشيخ، باتوا في عداد «مجموعات تضع نصب أعينها المشاركة في صدّ أي عدوان مستقبلي على لبنان، والدفاع عن قراها من هجمات التكفيريين مستقبلاً»، كما يقول أحد المصادر الحزبية في حاصبيا.

أربعة شهداء في سحيتا

حوالى التاسعة من ليل الأحد، كانت مجموعات من «المقاومة الشعبية السورية» قد تسلّلت إلى مكان ملاصق للشريط الشائك الفاصل بين الجولان المحرّر والمحتل في بلدة سحيتا (كانت قبل عدوان 1967 تضمّ 300 عائلة، عمل الاحتلال على تهجير أهلها إلى حَضَر ومجدل شمس، ومن ثمّ تدمير بيوتها ومحوها عن الخريطة) الواقعة بين مثلّث قرى حضر (محرّرة) ومجدل شمس ومسعدة (محتلتين)، لزرع عبوة ناسفة، حيث تمرّ دوريات راجلة ومُؤَللة للعدو. إلّا أن طائرة إسرائيلية أغارت بصاروخين على إحدى المجموعات، ما أدى إلى استشهاد: يوسف جبر حسون وسميح عبدالله بدرية (من أبناء حضر)، والأخوين نزيه وثائر وليد ‏محمود (من مجدل شمس، سكّان حضر).

سوريا وحزب الله يعملان
على تجهيز مجموعات لخوض معركة استنزاف طويلة
والشهداء الأربعة لهم باعٌ طويل في قتال المجموعات التكفيرية في القنيطرة على مدى السنوات الماضية في صفوف اللجان الشعبية.
وحتى ساعة متأخرة من ليل أمس، كانت جثامين الشهداء لا تزال في عهدة الصليب الأحمر الدولي، بانتظار الاتفاق مع الجانب السوري على تسلمها عبر معبر مجدل شمس. وكان الصليب الأحمر قد تسلّم الجثامين بعد ظهر أمس من جيش الاحتلال الذي عمد صباحاً إلى خرق السياج الشائك، وسحبها من داخل الأراضي المحرّرة.
أنباء استشهاد المجموعة، أثارت حالةً من الغليان في قرى الجولان وجبل الشيخ. وبدا لافتاً القلق الإسرائيلي من «موقف العزاء» الحاشد الذي أقيم في بلدة مجدل شمس. إذ شارك أهالي بلدات مسعدة وعين قنيا وبقعاثا إلى جانب أهالي المجدل في التجمّع حداداً على أرواحهم، وسط أجواء من الغضب والحنق على الاحتلال. وأشار مصدر عسكري إسرائيلي في تصريح للقناة العاشرة العبرية مساء أمس إلى أنّ «المشاهد من مجدل شمس مقلقة، إذ إنها بلدة تقع في إسرائيل (شمال الجولان المحتل)، حيث أقيمت خيمة عزاء فيها حداداً على اثنين من قتلاها في المحاولة لزرع العبوات، الأمر الذي يشير إلى أن جزءاً من الدروز في شمال الجولان يؤيدون الأسد وحزب الله، ويؤيدون شن هجمات على الجيش الإسرائيلي على الحدود».

الاستشهاد يسعّر المقاومة

بكثير من الفخر، يردّد أقارب الشهيدين ثائر ونزيه أنهما «أبناء الأسير المرحوم وليد محمود»، إذ يشير أحد الأقارب لـ«الأخبار» إلى أنّ «والد ثائر ونزيه بقي معتقلاً في السجون الإسرائيلية لأكثر من ستة سنوات بفعل نشاطه المقاوم، وأُفرج عنه في إطار صفقة تبادل فرضتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــ القيادة العامة على العدو الإسرائيلي في عام 1987، وفي عام 1988 هرب محمود من الجولان إلى حَضَر لعلمه بنية الاحتلال اعتقاله من جديد، وبنى هنا عائلة من الأبطال».
ويبدو القلق الإسرائيلي من ارتباط أهالي الجولان بالمقاومة في محلّه، إذ لم تمنع 27 عاماً من الاعتقال عميد الأسرى السوريين صدقي المقت، من العودة إلى نشاطه القومي وتحدّي الاحتلال، الذي أعاد اعتقاله أواخر شباط الماضي بسبب توثيقه التعاون بين إسرائيل وعناصر «القاعدة».
مصادر معنية بالجبهة الجنوبية، تقول لـ«الأخبار» إنّ «قتل المقاومين لا يوقف عمل المقاومة، بل يسعّره. فتجارب العدو الإسرائيلي من لبنان إلى فلسطين والجولان، تؤكّد أن دم المقاومين يزيد الإصرار على المقاومة. الاحتلال أحبط هذه العملية، لكنّ الرسالة واضحة: المقاومة انطلقت، وعملها تراكمي، والخبرات الحالية دفع ثمنها آلاف الشهداء على مدى سنوات الاحتلال».