في وقت كان كلٌّ من المعلمتين شيخة ووصال صليبي يعلمنا إنشاد "يا فلسطينية" و"بقرة حاحا" للكبيرين الشيخ امام واحمد فؤاد نجم، في "روضة ناجي العلي"، كانت لوسي هريش، تنشد إلى جانب زملائها في المدرسة النشيد الوطني الإسرائيلي "هتكفا - الأمل".
ولأن لوسي هريش المتحدرة من أسرة عربية مسلمة في مدينة الناصرة، تقطن في مدينة النووي ديمونا إلى جانب جيران صهاينة، لم يكن صعباً عليها "القرط" بحرف "الراء"، كباقي أصدقائها الإسرائيليين، ولا أن تشعر بالعار والمذلة وهي تقف لنشيد المحتل لتنشده، ولأنها بكل تأكيد نمّت ثقافتها السمعيّة على وقع أغاني "إيلي كوهن" و"سريت حداد"، فقد أصبحت ضمن الفئة التي يطلق عليها العدو اسم "عرفيم طوفيم" أو "العرب الجيدون".
ولوسي التي تعمل في القناتين الثانية والعاشرة العبريتين مع زملائها الصحافيين جاكي ليفي ودور رفائيل ويوئاف ليفي وغيرهم، وتعتبر غولدا مائير وموشي ديّان وهرتسل أمثلتها العليا، وتنادي بقيم التسامح مع الجلاد، اختارها العدو لإيقاد شعلة "إسرائيل" في الذكرى 67 لقيام... "الدولة".
وبينما اتجه عشرات آلاف الفلسطينيين في الداخل المحتل، سيراً على الأقدام إلى قرية "حدثة" (قضاء طبريا) المهجرة ليحيوا ذكرى النكبة، أوقدت لوسي هريش العربية "شعلة إسرائيل".
وفي هذه القرية التي طردت عصابات الهاغاناه أهلها منها، بعد أن قال لهم جيش الإنقاذ اخرجوا ليوم واحد وعودوا غداً، بيوت ما زالت أحجارها تبكي أهلها في مخيمات الشتات اشتياقاً، هذا كله لا يلقى اهتماماً عند لوسي، وإن بكت على شاشة التلفاز حين صرخ نتنياهو في الانتخابات الأخيرة "حكومة اليمين في خطر، العرب يتدفقون إلى صناديق الاقتراع"، فردّت "لا يمكن أن يحرّض رئيس الحكومة ضد 20% من مواطنيه".
حسناً، لوسي لا تسمّي ذلك انفصاماً! هي المتسامحة مع الصهاينة، لا تفكر مطلقاً في ما إذا كان الأطفال المبتسمون الذين تصادفهم بالقطار أو الحافلة سيكبرون يوماً ويقتلون أطفالها، أو أطفال أصدقائها العرب. ولوسي أيضاً لا تعدّ "للعشرة"، وهي تتحدث مع زملائها اليهود في العمل، أو وهي تشتري ثيابها من المجمع التجاري "عزرائيلي" في "تل -أبيب"، حين تتقدم العاملة اليهودية لسؤالها: "هل تريدين مساعدة في اختيار الثياب؟". أيضاً لن تحزن لوسي على اعتبار الفلافل والحمص بطحينة أطباقاً من التراث اليهودي، كما يحرص هؤلاء على أن يقولوا. ولن تضحك إذا سرق اليهود رقصة الدبكة مثلاً، أو غنوا "تيرشرش" بالعبري واعتبروا ذلك من إرثهم الثقافي... مع أنني لن أنزعج أنا نفسي إذا سرقوا أغنية "تيرشرش".
ولا تنفك ابنة الـ 34 سنة، عن اقتباس معظم أمثالها وأقوالها من نصوص توراتية، متحدثة عن "الهولوكوست"! كأن النازيين قتلوا أجدادها هي وليس أجداد اليهود الأوروبيين، وترى بأن ""إسرائيل" الدولة المثلى للديمقراطية في العالم". هي الإعلامية الشهيرة التي غابت عن أنظارها ومسامعها جرائم من تعتبرهم أسيادها، بحق أبناء جلدتها من فلسطين ولبنان. ولا تقف لوسي متفرجة أمام الأحزاب العربية في الداخل، فهي تنتقدهم "كعربية" لأنهم ينشغلون في الدفاع عن المقاومة التي تعتبرها "إرهاباً"، ولأنهم لا يشكرون دولتها على التأمين الصحي الذي تمنّنهم به، بعد احتلالهم.

مش عاجبهن العجب

والآنسة، التي كانت تحضر يومياً لمدة شهر كامل إلى جبل "هرتسل" للتدرّب على إيقاد الشعلة، أغضبت اليهود المتطرفين. فطالب هؤلاء الشرطة بأن تسمح لهم بتنظيم تظاهرة ضد مشاركتها في احتفالات قيام الدولة! لماذا؟ بكل بساطة لأنهم يعتبرونها عربية غير مخلصة لدولتهم.
في هذا الوقت، تخجل لوسي من التحدث بلغتها الأم، وحتماً تعاني من عقدة "اليهودي أفضل من العربي"، فهي تعلمت كل ذلك. تعلمت أن الأول متخلف وإرهابي ورجعي وضد حقوق المرأة، يرمي النفايات على الأرض ويلعب كرة قدم في الشارع، وليس في الملعب. هذا ما درسته كما درست في كتاب التاريخ أن فلسطين كانت مستنقعاً للبعوض جففه الصهاينة وأقاموا فيه دولتهم الموعودة. أما أهل غزة؟ فالإجابة هنا سهلة: هم مصريون احتلوا تلك البقعة في خاصرة الخريطة وطردوا منها أحفاد شمشون.

"المجد لإسرائيل"

"من أجل أولئك الذين رحلوا عنا، وسقطوا ضحية كراهية وحقد لا مبرر لهما، بسبب من نسوا أننا كلنا خُلقنا على صورة إله واحد، من أجل الشرقيين والاشكيناز، المتدينين والعلمانيين، العرب واليهود، لأبناء هذا البلد الذي يُذكرنا بأن لا أرض لنا غيره، لنا نحن الإسرائيليين ولكل أبناء البشر، المجد لدولة إسرائيل".
بهذه الكلمات التي كانت تقولها وتكاد تجهش بالبكاء، كلمات معجونة بالدمع والتأثر، أوقدت لوسي هريش شعلة "استقلال" إسرائيل!
أما نكتة الاحتفال، أقصد غير لوسي، فكانت للسيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، الذي أٌعجب بطبق "الشكشوكة" من أول لقمة! فما كان منه إلا أن دعا الفلسطينيين والإسرائيليين إلى أن يتجانسوا معاً، تجانس البيض مع البندورة!
لكن مَنْ مِن الطرفين هو البيض ومن البندورة؟
على كل حال عزيزي بان: "هالشكشوكة اللي عجبتك من أول لقمة لإلنا مش لإلهن".