القاهرة | يظهر من طريقة تعامل القاهرة مع سيناء أنها ترى فيها «وجع راس» يجب التخلص منه، ولكنها برغم مناشدات السيناويين تؤكد يوما بعد يوم أنها غير جادة في عملية تنمية شبه الجزيرة الصحراوية. وعمليا، لا ينال التطوير من سيناء، سوى جنوبها، حيث المشاريع السياحية، وجه مشرق، يقابله الشمال الحزين الذي يلفه سواد الموت، بعدما تحول إلى منطقة عسكرية.
وبرغم رصد أكثر من 12 مليار جنيه (نحو مليار و400 مليون دولار تقريباً) لتنمية سيناء خلال العامين الماضيين فقط، فإن المبلغ لم ينفق منه سوى أقل من 25% بسبب الظروف السياسية التي حولت شمال سيناء إلى منطقة عسكرية يستحيل الاستثمار فيها، إضافة إلى تباطؤ تنفيذ المشروعات التنموية التي رصدت لها الميزانيات الضخمة بالاعتماد على موازنة الدولة والمعونات الأوروبية التي تنفذ مشروعات خدمية للأهالي، ولا سيما في مجال الصحة. ومع أن المصريين يحتفلون، اليوم السبت، بالذكرى الثالثة والثلاثين لتحرير سيناء وعودتها إلى السيادة المصرية، فإن الحكومات المتعاقبة لم تخصص لعملية التنمية وتشغيل أهاليها مبالغ تناسب المساحة الشاسعة التي تمثل نحو 6% من مساحة البلاد، ما أحبط مخططات الزيادة السكانية بعدما كانت الحكومة ترغب من منتصف التسعينيات في نقل خمسة ملايين شخص إليها بحلول 2016، فيما لا يتجاوز سكان سيناء الآن 500 ألف يعيشون في ظروف صعبة وخاصة في الشمال، بل تقول الحكومة الحالية إنها تسعى إلى أن يعيش ثمانية ملايين مصري هناك بحلول عام 2052!

في المقابل، وتحديدا في جنوب سيناء، يبدو الوضع أفضل حالاً خلال المرحلة الماضية، ليس بسبب عودة النشاط السياحي والمشروعات الاستثمارية الضخمة، ولكن لزيادة الاهتمام بالبنية التحتية، اضافة إلى تنفيذ مشروعات صناعية، وتحديدا بالقرب من شرم الشيخ، فضلا عن بناء وحدات سكنية وفقا لمخططات حكومية.
برغم نشاط السياحة
في الجنوب يحذر خبراء من اقتصار التنمية
عليها

عموما، فإن المشكلة الرئيسية التي أصبحت تواجه تنمية سيناء هو «الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء» نفسه، وقد أسسته حكومة كمال الجنزوري ويرأسه اللواء شوقي رشوان، وهو ضابط استخبارات سابق عمل في سيناء ولديه خصومات كثيرة مع عدد من القبائل ومشايخها بسبب طريقته في التعامل مع البدو؛ فبخلاف ترك الجهاز تفنيذ أي نشاط منذ تأسيسه عام 2013، فإنه يمنع تنفيذ مشروعات خدماتية كثيرة عبر تمريرها وسط إجراءات روتينية، فيما تستفيد وزارة المالية من الأموال التي ترصد لتنمية سيناء لتصرفها في أوجه أخرى للإنفاق الحكومي! كذلك لم يستطع الجهاز حل أي من المشكلات العالقة بين البدو والحكومة، وثمة مشاريع شبه جاهزة للعمل (من بينها المنطقة الصناعية في مدينة بئر العبد، ومشروع استصلاح الأراضي في المناطق المتاخمة لترعة السلام حيث كان يفترض زراعة أكثر من 300 ألف فدان)، ولكن الحكومة لم تستطع الحصول على الأراضي التي يمتلكها البدو بوضع اليد.
على ناحية أخرى، تعاني منطقة وسط سيناء عزلة تامة بسبب الإجراءات الأمنية فيها وتمركز فرق ووحدات عسكرية، إلى جانب فقدان شبكات الاتصالات المختلفة إلى تغطية الهاتف المحمول في مناطق كثيرة. أيضا لم تتمكن الحكومة حتى الآن من إعادة تشغيل منجم فحم المغارة في وسط سيناء بسبب الديون المتراكمة عليه لمصلحة البنوك، التي تصل إلى ملياري جنيه، علماً بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت قد استغلته فصدّرت خلال السنوات الست التي احتلت فيها سيناء عبره إلى الخارج من خلال ميناء العريش المتوقف عن العمل، هو الآخر، منذ 20 عاماً لدواع أمنية.
ويحذر خبراء تنمية من تركز التعامل مع جنوب سيناء باعتبارها منطقة سياحية فحسب نظراً إلى تأثر حركة السياحة بالأحداث العالمية والاضطرابات المستمرة، وهو ما يرون فيه مجازفة كبيرة إذا بقي استمرار المسؤولين على اقتصار التنمية حتى في جنوب سيناء على المنتجعات السياحية التي أصبحت تمثل مدنا كاملة تقريباً، مثل طابا وشرم الشيخ.