لا تُعدّ المعلومات المتواترة عن توافق مكونات «الجبهة الشاميّة» على حل نفسها حدثاً مفاجئاً، بقدر ما تأتي تحصيل حاصلٍ لتطوّرات الشهرين الأخيرين. فمنذ منتصف شباط الماضي، بدأت الخلافات بين المجموعات المكوّنة، وسط محاولات للتعتيم عليها، والحيلولة دونَ تفاقمها، قبلَ أن تطفو على السطح إبّان انشقاق مجموعات صغيرة، وإنشائها «الفوج الأوّل» (الأخبار – العدد 2536). لاحقاً لذلك جاءت الضربة الثانية عبر انشقاق «كتائب الصفوة» بصمت، ليليها انشقاق مجموعات أخرى، أعلنت إنشاء «اتحاد ثوّار الشام».
(الأخبار – العدد 2561)، وفيما أفلحت الضغوط التي مارستها وجوه «شرعيّة» محسوبة على «الإخوان المسلمين» لتطويق انشقاق «الصفوة»، فقد أخفقت محاولات مماثلة في حالة «ثوار الشام»، التي جاء إنشاؤها في حقيقة الأمر انتفاضةً على استعلاء «الشاميّة»، وقائدها عبد العزيز سلامة. وتؤكّد معلومات «الأخبار» أنّ بذور الخلافات بين الأخيرة، وكلّ المجموعات المنشقّة عنها كانت موجودة منذ اللحظة الأولى لإنشاء «الشاميّة»، لكنّ استعجال «الإخوان» (ومن ورائهم الأتراك) محاولة انتهاز لحظة إقليميّة رأوها سانحةً لتكريسِ قوّة مُهيمنة في حلب وريفها، أدّى إلى تسريع الإنشاء على أن «تُحل المشاكل لاحقاً»، لكنّها تفاقمت بدلاً من ذلك. ويبدو أن التسريبات التي تداولتها وسائل إعلاميّة معارضة أمس عن أن «مكوّنات الشامية توافقت على حل الجبهة، واستمرار التنسيق العسكري بين فصائلها» جاءت بغيةَ قطع الطريق على جهود اللحظات الأخيرة لمنع حلّها. وفي هذا السياق يوضح قياديّ في مجموعةٍ مُنشقّة عن «الجبهة» أنّ «حواراً عاصفاً كان قد دار منذ أسبوع بين سلامة (عبد العزيز، قائد الشامية) وواحدٍ من القادة الفاعلين في جيش المجاهدين، كان القشّة التي قصمت ظهر البعير».

لم تحصر أنقرة استثمارها
في «الإخوان» بل «أغرقت
السوق بكل البضائع»

المصدر أكّد لـ «الأخبار» أنّ «اجتماعات عدّة عُقدت بعدها بين أبرز الوجوه داخل الجبهة، خلَصت إلى أنّ استمرار الديوك تحت سقف واحد سيؤدي إلى نتائج كارثيّة، ليأتي اقتراح الحل مع استمرار التنسيق العسكري بمثابة حلّ إنقاذي». ووفقاً للمصدر نفسه، فإنّ «الخلاف الأخير اندلع على الأغلب بسبب معلوماتٍ عن تلقّي جيش المجاهدين دعماً جديداً من دون معرفة سلامة، الذي عدّ الأمر بمثابة تآمر عليه، وعلى وحدة الصف»، وتعليقاً على الأنباء التي قالت إن «حل الشامية مرتبط بإحجام الجهات الدولية عن دعمها وممارسة التضييق عليها»، أكّد المصدر أن هذا الكلام «ينطبق على تقديم دعم من غرفة الموك للجبهة الشاميّة بوصفها كتلة واحدة، لكن إرسال الدعم لبعض المكونات استمر عبر الدول الإسلاميّة الداعمة». وأوضح كلامه بالقول: «كل دولة بتبعت لجماعتها بس». وفي انتظار صدور تأكيد، أو نفي رسمي عن «الشاميّة»، يُمكن التأكيد استناداً إلى مُعطيات عدّة أنّ «جماعة الإخوان المسلمين» خسرت بالفعل (مرحليّاً على الأقل) فرصة استمرار أشخاص محسوبين عليها على رأس «الهرم العسكري المُعارض» في حلب وريفها، من دون أن يعني ذلك إقصاءها من اللعبة نهائيّاً. وبالقدر نفسه، تُعدّ التطورات المذكورة ضربةً لـ «الائتلاف السوري المعارض»، الذي يدور في فلك الجماعة نفسها، والذي سبق لرئيسه خالد خوجة أن تحدّث عن «تواصل مع قادة الجبهة الشاميّة لإنشاء نواة جيش وطني جديد»
وبرغم أن هذه الخسارة تنسحب على اللاعب التركي، مهندس «الشامية» و«الائتلاف»، وحاضن «الإخوان المسلمين»، لم تحصر أنقرة استثمارها في «الإخوان»، بل وزّعت البيض على سلالٍ كثيرة. ودأب الأتراك على التعامل مع الملف السوري بعقليّة «إغراق السّوق بكل البضائع المتوافرة»، على اعتبار أنّ خسارة الخصم هي الهدف الأوّل، ومهما كانت الأدوات. في الوقت نفسه، فإن الدور التركي أساسي، ولا غنى عنه بالنسبة إلى كل اللاعبين الآخرين (وخاصة السعودي، والقطري).
ومن شأن حل «الشاميّة» أن يُمهّد لعودة بعض المجموعات إلى الواجهة من جديد، وعلى نحو خاص «حركة نور الدين زنكي»، و«جيش المجاهدين»، كما قد يفتحُ الباب أمام نشوب خلافات حول مناطق النفوذ، كذلك يُتوقع أن يحاول عبد العزيز سلامة إعادة إحياء «الجبهة الإسلاميّة» في حلب، ضماناً لاستمرار زعامته. اللّافت، أنّ هذه المتغيّرات تأتي بالتزامن مع استمرار طغيان العنصر «الجهادي» على المشهد المُعارض في كلّ من إدلب وحلب. وعلى الرغم من الضغوط المستمرة على «جبهة النصرة» بغية «فك الارتباط» بتنظيم «القاعدة»، فإن ذلك في حال حدوثه لا يعني تخليها عن «عقيدتها الجهاديّة»، ولا سيّما أن البديل المتمثّل بـ «جيش الفتح» لا يحمل أيديولوجيا مختلفةً عن «القاعدة». وعلاوة على «النصرة» تبرز «جبهة أنصار الدين» بوصفها قوّة وازنة في حلب، وهي «جبهة جهادية» مكوناتها «قاعديّة» ذات ولاء مُطلق. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى تزايد «النشاط الدعوي الجهادي» في الشهرين الأخيرين في كثير من مناطق الريف الحلبي، وإلى عودة التظاهرات المُطالبة بـ «حكم الشرع». وبطبيعة الحال لا يُمكن إغفال الحراك المتزايد لتنظيم «الدولة الإسلاميّة» في ريف حلب الشمالي، علاوةً على احتفاظه بالسيطرة على الجزء الأكبر من ريفها الشرقي. ومن المُرجّح أن يحاول التنظيم استثمار التطورات لاستعادة مناطق سبق له أن خسرها العام الماضي لمصلحة مجموعات مسلّحة أخرى.