لم يشأ رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، مغادرة الولايات المتحدة دون تأكيده على رمادية مواقفه تجاه حلفائه. أراد التأكيد لواشنطن أنه على مسافة من إيران، معترضاً على ما سمّاه خطف قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني لانتصارات الجيش العراقي بسبب صوره التي تنتشر من ميادين العراق، في حين برز موقف المرجعية العراقية التي رفضت اقتصار تحرير محافظة الأنبار من «داعش» على مكوّن واحد، مطالبة بمشاركة القوات العراقية ومتطوعي «الحشد الشعبي» والعشائر في العملية.
وقبيل عودته إلى بغداد التي وصلها أمس، أوضح العبادي أنه حصل على وعد من الادارة الأميركية بأن تسلم بغداد قريباً مقاتلات الـ«أف-16» الـ36 التي أوصى عليها العراق في 2011، فيما وعد العبادي بدوره بتهدئة التوترات الطائفية في العراق.
وفي موقف متضارب مع ما كان صدر عنه خلال زيارته التي استمرت ثلاثة أيام، نفى العبادي أن يكون جاء إلى واشنطن بهدف شراء أسلحة للقوات العراقية.
وقال العبادي لمركز «الدراسات الاستراتيجية والدولية» في واشنطن «ما نواجهه في العراق هو انقسام للمجتمع يغذيه الإرهاب»، مؤكداً أن «أولوية حكومتنا هي الحد من التوتر القومي والطائفي والانقسامات التي يشهدها العراق».
وحول معركة استرجاع محافظة الأنبار، شدد العبادي على ضرورة التأكد من أن كل شيء جاهز قبل شن العملية، كاشفاً أن لواءين عراقيين سيبدآن تدريبات لاستعادة محافظة الأنبار من تنظيم «داعش»، وهما يحتاجان إلى أسلحة ثقيلة في القتال.
ودعا العبادي الولايات المتحدة إلى تسريع وتيرة عمليات القصف الجوي، مؤكداً أنه أحياناً كان الوقت طويلاً بين طلب تنفيذ غارة جوية وحصولها، معلناً أن المباحثات في واشنطن تركزت على كيفية جعل الغارات الجوية «أكثر دقة وفعالية».
ورداً على سؤال حول وجود قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني في العراق، قال العبادي إن «العراقيين يقدمون التضحيات لاستعادة بلادهم»، مشدداً على أن العراقيين لا يقبلون القول إن «آخرين هم من يفعل ذلك نيابة عنهم». وأضاف «أنا مستاء جداً من الذي يحدث. وأنا أتحدث مع الإيرانيين عن ذلك، ولكن طهران نفت أي دور لها في ذلك»، مؤكداً ضرورة «وجود الحكومة... فالناس يجب أن يؤمنوا بأن الديموقراطية يمكن أن تنجح».
في غضون ذلك، أوضح المسؤول الأميركي عن ملف العراق، بريت ماكغورك، لإذاعة «سوا»، «قلنا بوضوح إنه ما دامت هذه العمليات يخطط لها معنا والوحدات تتحرك تحت إمرة الضباط العراقيين ورئيس الوزراء، فسنقدم الدعم الجوي».
من جهة أخرى، برز دخول المرجعية الدينية العليا في النجف على خط الأزمة بسبب السماح لغير أهل الأنبار في معركة استرجاع المحافظة، وخاصة قوات «الحشد الشعبي»، بدعوتها إلى ضرورة مشاركة القوات العراقية والمتطوعين في «الحشد الشعبي» والعشائر في معارك التحرير، متهمةً «أطرافاً داخلية وخارجية» بمحاولة تفرقة المقاتلين في صفوف الجبهات.
وطالب ممثل المرجعية في كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي، في خطبة الجمعة، أمس، بأن "يشارك أبناء المناطق التي يسيطر عليها داعش في تحريرها وتخليصها من شرور الإرهابيين، وأن يكون لهم الدور الأساس في ذلك، لأنهم أولى به من غيرهم، إلا أنه لا مانع من حيث المبدأ أن يشاركهم في هذه المهمة غيرهم من العراقيين ممن لهم القدرة على ذلك، وإن اختلفت عناوينهم وانتماءاتهم، فإن ما يجمعهم العراق والمصير الواحد».
ولفت الكربلائي إلى أن «محاولة البعض في الداخل والخارج للتفرقة والفصل بين المقاتلين من أبناء الشعب الواحد، وإلصاق عناوين طائفية بمن يقاتلون إلى جانب القوات العراقية ويشاركهم إخوة لهم من طوائف وديانات أخرى، إنما يراد منها إضعاف الجهد القتالي الوطني والطعن في من استرخص الأرواح والدماء في سبيل حماية أرض العراق وشعبه ومقدساته بالرغم من أنهم ينتمون إلى مناطق مختلفة بلونها الديني والمذهبي ولم يكن هدفهم ذا سمة طائفية أو دينية بل حماية كل العراق بجميع مكوناته».
بدوره، دعا رئيس مجلس النواب سليم الجبوري القيادة العامة للقوات المسلحة إلى تحمّل مسؤولياتها بصدد ما تشهده محافظة الأنبار حالياً.
ودعا الجبوري في بيان صادر عن مكتبه، عقب اجتماع موسع حول محافظة الأنبار ضم عدداً من القيادات السياسية والعشائرية في المحافظة إضافة إلى ممثلين عن السفارة الأميركية، وبحث التطورات الأمنية والميدانية في مدينة الرمادي، إلى «تكثيف الدعم الجوي للقوات العسكرية من قبل قوات التحالف الدولي، إضافة إلى دعم القوات الموجودة هناك بالعدة والعدد».
في المقابل، أكد النائب عن «ائتلاف الوطنية» كاظم الشمري ضرورة تدخل «الحشد الشعبي» لمساندة القوات الأمنية وأبناء العشائر في محافظة الأنبار، للحيلولة دون سيطرة «داعش» على المحافظة.
وأضاف الشمري أن «الوضع في الأنبار محرج... وأن وجود الدعم من الحشد الشعبي هو أمر أصبح ملزماً مع توفير تطمينات من الحكومة وبمباركة المرجعية الرشيدة كي لا تحصل أي تصرفات فردية من هنا وهناك قد تخلق فتنة، في وقت نحن في أمس الحاجة إلى التوحد ضد الإرهاب».
في سياق متصل، كشف رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، مارتن ديمبسي، عن رغبة العبادي في «تركيز» التحالف الدولي على الأنبار.
وقال، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، إن «رغبة العبادي وهدفه في أن يتم التركيز الآن على محافظة الأنبار، وأتمنى ألا تسقط الرمادي، ولكنها لن تكون نهاية الحملة إذا ما سقطت»، مؤكداً أن «التقدم الأخير لمسلحي داعش في الرمادي يحتّم على الحكومة العراقية أن تعمل على تجميع وحشد كل إمكانياتها وقواتها الموجودة عبر محافظة الأنبار لغرض الوقوف بوجه المسلحين ومنعهم من تحقيق أي مكسب هناك».

(أ ف ب، رويترز، الأناضول، الأخبار)